الكعبة، أضاء له نور، وصل إلى أماكن الحدود، فجاءت الشياطين، فوقفت عند الأعلام، فبناها الخليل -عليه السلام- حاجزًا، رواه مجاهد، عن ابن عباس، وعنه أن جبرائيل -عليه السلام- أرى إبراهيم -عليه السلام- موضع أنصاب الحرم، فنصبها، ثم جدّدها إسماعيل، ثم جدّدها قُصَيّ بن كلاب، ثم جدّدها النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فلما ولي عمر - رضي الله عنه - بعث أربعة من قريش، فنصبوا أنصاب الحرم، ثم جددها معاوية - رضي الله عنه -، ثم عبد الملك بن مروان، كذا ذكر القسطلانيّ في "شرح البخاريّ"، ونحوه في "القرى" ص ٦٠٢ للمحبّ الطبري، وارجع لمزيد من البسط إلى "شفاء الغرام" ١/ ٥٤ - ٦٦.
[تنبيه]: إن عَلَمي الحرم من طريق جدّة هما العَلَمان القديمان من زمن نبيّنا إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - بإشارة جبريل -عليه السلام- بوضعهما في تلك البقعة، كسائر حدود الحرم من الجهات الأخرى، أما العلمان الجنوبيان المسامتان لعلمي الحرم المذكورين، فقد أُحدثا في جمادى الثانية سنة ست وسبعين وثلاثمائة وألف من أجل طريق السيارات المؤدي بينهما، ثم صار عدول السيارات من هذا الطريق الجنوبي الذي يمر بين العلمين المحدثين إلى الطريق الشمالي الذي يمر بين علمي الحرم القديمين، ولإزالة اللبس لزم التنبيه على ذلك، وحيث الحال ما تقدم من أن حدود الحرم مختلفة في القرب والبعد، وأن وضع حدود الحرم هو بإيقاف جبريل -عليه الصلاة والسلام- لأبينا إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - على حدود الحرم، وظهور أن حدّا الحرم من طريق المدينة ثلاثة أميال، ومن طريق جُدّة عشرة أميال، مع أن الحدين متجاوران فبذلك تبيّن أنه ليس للاجتهاد في تحديد الحرم مساغٌ، وأنه لا يجوز لأحد أن يُحْدِث حدًّا للحرم، ويضع عليه أنصابًا من تلقاء نفسه؛ لأنه قد لا يكون ذلك حدًّا للحرم في نفس الأمر، أما إذا أتى على محل ليس به أعلام، فإنه ينظر إلى محاذاة أقرب الأعلام إليه، وليس في الإمكان سوى ذلك مع عدم الجزم بأن هذا حدّ للحرم، والله أعلم، كذا في "مفيد الأنام"، ذكره في "المرعاة"(١).