وقال السهيليّ -رحمه الله-: كان عينًا على الأنصار دون غيرهم، ويؤيده مبايعتهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة على أن يؤووا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وينصروه، فيخرج من قولهما أنه كان عينًا على الطائفتين، كفاية في حق غيرهم، ومع ذلك فليس في حق الطائفين على التعميم، بل في حقّ الأنصار إذا طرق المدينة طارق، وفي حق المهاجرين إذا أريد قتال أحد من الكفار ابتداء، ويؤيد هذا ما وقع في قصّة بدر فيما ذكره ابن إسحاق، فإنه كالصريح في ذلك، وقيل: كان عينًا في الغزوة التي يخرج فيها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - دون غيرها.
والتحقيق أنه كان عينًا على من عيّنه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في حقه، ولو لم يخرج.
الحال الثاني: بعده - صلى الله عليه وسلم - فهو فرض كفاية على المشهور، إلا أن تدعو الحاجة إليه، كأن يَدْهَمَ العدوّ، ويتعين على من عيّنه الإمام، ويتأدى فرض الكفاية بفعله في السنَةِ مرةً عند الجمهور.
ومن حجتهم أن الجزية تجب بدلًا عنه، ولا تجب في السنة أكثر من مرة اتفاقًا، فليكن بدلها كذلك، وقيل: يجب كلما أمكن، وهو قويّ، والذي يظهر أنه استمرّ على ما كان عليه في زمن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى أن تكاملت فتوح معظم البلاد، وانتشر الإسلام في أقطار الأرض، ثم صار إلى ما تقدم ذكره.
والتحقيق أيضًا أن جنس جهاد الكفار متعيّن على كل مسلم، إما بيده، وإما بلسانه، وإما بماله، وإما بقلبه. انتهى كلام الحافظ -رحمه الله-، وهو تحقيقٌ نفيسٌ وبحثٌ أنيسٌ.
وسيأتي مزيد الكلام في هذا، وبسط الكلام في أحكام الجهاد في "كتاب الجهاد" -إن شاء الله تعالى-.
٤ - (ومنها): تحريم قطع شجر الحرم، وشوكه، قال القرطبيّ -رحمه الله-: خصّ الفقهاء الشجر المنهيّ عن قطعه بما يُنبته الله تعالى من غير صنع آدميّ، فأما ما ينبت بمعالجة آدميّ، فاختلف فيه، فالجمهور على الجواز، وقال الشافعيّ: في الجميع الجزاء، ورجحه ابن قدامة. واختلفوا في جزاء ما قُطع من النوع الأول، فقال مالك: لا جزاء فيه، بل يأثم، وقال عطاء: يستغفر، وقال أبو حنيفة: يؤخذ بقيمته هدي، وقال الشافعيّ: في العظيمة بقرة، وفيما دونها شاة، واحتجّ الطبريّ بالقياس على جزاء الصيد، وتعقّبه ابن القصّار بأنه