للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تحقيق ذلك في كلام الإمام ابن القيّم رحمه الله تعالى في المسألة التالية - إن شاء الله تعالى -، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): قد حقّق هذا الموضوع الإمام الناقد البصير ابن قيّم الجوزيّة رحمه الله تعالى في كتابه "بدائع الفوائد"، أحببت إيراده هنا، وإن كان فيه طولٌ؛ لكونه مشتملًا على تحقيقات بديعة، لا توجد عند غيره مجموعة، قال رحمه الله تعالى:

(فائدةٌ جليلةٌ): ما يَجري صفةً، أو خبرًا على الربّ تبارك وتعالى أقسام:

[أحدها]: ما يَرجِع إلى نفس الذات، كقولك: ذات، وموجود، وشيء.

[الثاني]: ما يَرجِع إلى صفات معنوية: كالعليم، والقدير، والسميع.

[الثالث]: ما يَرجع إلى أفعاله، نحو: الخالق، والرزاق.

[الرابع]: ما يرجع إلى التَّنْزِيه المحض، ولا بُدّ من تضمنه ثبوتًا؛ إذ لا كمال في العدم المحض، كالقُدُّوس، والسلام.

[الخامس]: ولم يذكره أكثر الناس، وهو الاسم الدالّ على جملة أوصاف عديدة، لا تختص بصفة معينة، بل هو دال على معناه، لا على معنى مفرد، نحو: المجيد العظيم الصمد، فإن المجيد مَن اتصف بصفات متعددة، من صفات الكمال، ولفظه يدلّ على هذا، فإنه موضوع للسعة، والكثرة، والزيادة، فمنه: استمجد الْمَرْخُ، والْعَفَار (١)، وأمجدَ الناقةَ علفًا (٢)، ومنه: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥)} [البروج: ١٥]، صفة للعرش؛ لسعته وعظمه وشرفه، وتأمَّل كيف جاء هذا الاسم مقترنًا بطلب الصلاة من الله تعالى على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، كما عَلَّمَنَاه - صلى الله عليه وسلم -، لأنه في مقام طلب المزيد، والتعرض لسعة العطاء وكثرته ودوامه، فأَتَى في هذا المطلوب باسم يقتضيه، كما تقول: اغفر لي، وارحمني، إنك


(١) قال في "القاموس": "الْمَرْخُ": شجر سريع الْوَرْي، و"الْعَفَارُ" كسحاب: شجرٌ يُتّخذ منه الزناد، وقال أيضًا: استمجد الْمَرْخُ والْعَفَارُ: استكثرا من النار. انتهى. ص ٢٣٦ و ٢٨٨ و ٣٩٨.
(٢) أي أشبعها، أو علفها ملء بطنها، أو نصف بطنها. انتهى. "ق" ص ٢٨٨.