٩ - (ومنها): ما قاله في "الفتح": استُدِلّ بحديثي ابن عباس وأبي هريرة -رضي الله عنهم- المذكورين في هذا الباب على أن لُقطة مكة لا تُلتقط للتملُّك، بل للتعريف خاصّةً، وهو قول الجمهور، وإنما اختَصَّت بذلك عندهم؛ لإمكان إيصالها إلى ربها؛ لأنها إن كانت للمكيّ فظاهر، وإن كانت للآفاقي فلا يخلو أُفُقٌ غالبًا من وارد إليها، فإذا عَرَّفها واجدها في كل عام سَهُل التوصل إلى معرفة صاحبها. قاله ابن بطال.
وقال أكثر المالكية، وبعض الشافعية: هي كغيرها من البلاد، وإنما تختص مكة بالمبالغة في التعريف؛ لأن الحاج يرجع إلى بلده، وقد لا يعود، فاحتاج ملتقطها إلى المبالغة في التعريف.
واحتَجّ ابن الْمُنَيِّر لمذهبه بظاهر الاستثناء؛ لأنه نفى الحل واستثنى المنشد، فدَلّ على أن الحل ثابت للمنشد؛ لأن الاستثناء من النفي إثبات، قال: ويلزم على هذا أن مكة وغيرها سواء، والقياس يقتضي تخصيصها.
والجواب أن التخصيص إذا وافق الغالب لم يكن له مفهوم، والغالب أن لقطة مكة ييأس ملتقطها من صاحبها، وصاحبها من وجدانها؛ لتفرّق الخلق إلى الآفاق البعيدة، فربما داخل الملتقط الطمع في تملّكها من أول وهلة، فلا يُعَرِّفها، فنهى الشارع عن ذلك، وأمر أن لا يأخذها إلا من عَرَّفها، وفارقت في ذلك لقطة العسكر ببلاد الحرب بعد تفرقهم، فإنها لا تُعَرَّف في غيرهم باتفاق، بخلاف لقطة مكة، فيشرع تعريفها؛ لإمكان عود أهل أفق صاحب اللقطة إلى مكة، فيحصل متوصل إلى معرفة صاحبها.
وقال إسحاق ابن راهويه: قوله: "إلا لمنشد" أي: لمن سمع ناشدًا يقول: من رأى لي كذا فحينئذ يجوز لواجد اللقطة أن يُعَرِّفها ليردّها على صاحبها، وهو أضيق من قول الجمهور؛ لأنه قيّده بحالة للمعرِّف دون حالة.
وقيل: المراد بالمنشد: الطالب، حكاه أبو عبيد.
وتعقبه بأنه لا يجوز في اللغة تسمية الطالب منشدًا.
قال الحافظ: ويكفي في ردّ ذلك قوله في حديث ابن عباس: "لا يَلتقط لقطتها إلا مُعَرِّف"، والحديث يفسّر بعضه بعضًا، وكأن هذا هو النكتة في