ذلك من الغيبة المحرّمة، ولا النميمة، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): ظاهر حديث الباب أنه - صلى الله عليه وسلم - لما دخل مكة يوم الفتح لم يكن محْرمًا، وقد صرّح بذلك مالك راوي الحديث، كما ذكره البخاريّ في "كتاب المغازي" عن يحيى بن قَزَعَة، عن مالك عقب هذا الحديث:"قال مالك: ولم يكن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيما نرى -والله أعلم- يومئذ محرمًا". انتهى.
وقول مالك هذا رواه عبد الرحمن بن مهديّ، عن مالك، جازمًا به، أخرجه الدارقطنيّ في "الغرائب".
ووقع في "الموطإ" من رواية أبي مصعب وغيره، قال مالك:"قال ابن شهاب: ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ محرمًا"، وهذا مرسل، ويشهد له ما رواه مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه - بلفظ:"دخل يوم فتح مكة، وعليه عمامة سوداء، بغير إحرام"، وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، عن طاوس، قال:"لم يدخل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مكة إلا محرمًا، إلا يوم فتح مكة"، قاله في "الفتح"(١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الحقّ أنه - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه رضي الله تعالى عنهم دخلوا مكة يوم الفتح غير محرمين، فهو دليل واضح للمذهب الصحيح أن دخولها بغير إحرام لمن لم يُرِد الحج، أو العمرة جائز، كما سيأتي تحقيقه في المسألة التالية، إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في دخول مكة بغير إحرام: ذهب أصحاب الشافعيّ: إلى أن الأصحّ إن لم يتكرّر دخوله عدم وجوب الإحرام عليه، وهذا قول أكثرهم، فإن تكرر كالحطابين، ونحوهم، فهو أولى بعدم الوجوب، وهو المذهب.
وذهب الحنابلة إلى وجوب الإحرام إلا على الخائف، وأصحاب الحاجات المتكرّرة، هذا هو المشهور عندهم، ولم يوجبه بعضهم، وعن أحمد ما يدلّ عليه.