وهذا الجمع للقاضي عياض -رحمه الله-، وقال غيره: يُجمع بأن العمامة السوداء كانت ملفوفة فوق المغفر، أو كانت تحت المغفر، وقاية لرأسه - صلى الله عليه وسلم - من صدإ الحديد، فأراد أنس بذكر المغفر كونه دخل متهيئًا للحرب، وأراد جابر بذكر العمامة كونه دخل غير محرم، وبهذا يدفع إشكال من قال: لا دلالة في الحديث على جواز دخول مكة بغير إحرام؛ لاحتمال أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان محرمًا، ولكنه غطى رأسه لعذر، فقد اندفع ذلك بتصريح جابر - رضي الله عنه - بأنه لم يكن محرمًا.
وأما دعوى أن دخول مكة بغير إحرام من خصائص النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فغير صحيحة؛ إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل، ومما يبطلها أن الصحابة -رضي الله عنهم- لم يكونوا محرمين مثله، فبطل ما ادّعوه. انتهى من "الفتح" باختصار، وتصرّف (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج -رحمه الله- المذكور أولَ الكتاب قال:
[٣٣١١]( … ) - (حَدَّثنا عَلِيُّ بْنُ حَكِيمٍ الْأَوْدِيُّ، أَخْبَرَنَا شَرِيك، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِي، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله؛ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ).
رجال هذا الإسناد: خمسة:
١ - (عَلِيُّ بْنُ حَكِيمٍ الْأَوْدِيُّ) أبو الحسن الكوفيّ، ثقةٌ [١٠].
رَوى عن ابن إدريس، وابن المبارك، وحميد بن عبد الرحمن الرُّؤاسيّ، وشريك بن عبد الله النخعيّ، وابن عيينة، وعلي بن مسهر، وغيرهم.
وروى عنه البخاريّ في "الأدب المفرد"، ومسلم، وروى النسائيّ، عن عثمان بن خُرّزاذ عنه، وأبو الصلت عبد السلام بن صالح الهرويّ، وهو من أقرانه، وابن أخيه أحمد بن عثمان بن حكيم، ويعقوب بن سفيان، وغيرهم.
قال ابن الجنيد، عن ابن معين: ثقةٌ، ليس به بأسٌ، وقال أبو حاتم: