للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حيث تعذر الترفه فيها، وعدم الإقبال على الدنيا بها، وملازمة ذلك المحل الشريف، ومجاورة النبي الكريم -صلى اللَّه عليه وسلم-، ففي حياته -صلى اللَّه عليه وسلم- صحبته، ورؤية وجهه الكريم، وبعد وفاته مجاورة جَدَثه (١) الشريف، ومشاهدة آثاره المعظَّمة، فطوبى من ظَفِر بشيء من ذلك، وأحسن اللَّه عزاءَ من لم يَنَلْ شيئًا مِمَّا هنالك. انتهى (٢).

(وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) أقسم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- باللَّه الذي نفسه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيده -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وفيه إثبات اليد للَّه تعالى على ما يليق بجلاله (لَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ)؛ أي: من أهل المدينة الذين يدعو بعضهم بعضًا إلى الرخاء (أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا)؛ أي: كراهية لها، وزُهدًا في فضلها، يقال: رَغِبتُ في الشيء، ورَغِبته يتعدّى بالحرف، وبنفسه أيضًا: إذا أردته رَغْبًا، بفتح الغين، وسكونها، ورَغْبَى، بفتح الراء، وضمّها، ورَغْباءً بالفتح والمدّ، ورَغِبْتُ عن الشيء: إذا لم تُرِدْه (٣). (إِلَّا أخْلَفَ اللَّهُ) بالألف؛ أي: أبدل اللَّه، قال الفيّوميّ: خَلَفَ اللَّه عليك: كان خليفةَ أبيك عليك، أو من فقدته، ممن لا يُتَعَوَّض، كالعمّ، وأخلف عليك بالألف: رَدّ عليك مثل ما ذهب منك، وأخلف اللَّه عليك مالك، وأخلف لك مالك، وأخلف لك بخير، وقد يُحْذَف الحرف، فيقال: أخلف اللَّه عليك، ولك خيرًا، قاله الأصمعيّ، والاسم: الْخَلَف بفتحتين، قال أبو زيد: وتقول العرب أيضًا: خَلَفَ اللَّه لك بخير، وخَلَف عليك بخير، يَخْلُف بغير ألف. انتهى (٤).

(فِيهَا)؛ أي: في المدينة (خَيْرًا مِنْهُ)؛ أي: أفضل من ذلك الخارج دِينًا، وصلاحًا، وإصلاحًا.

قال القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يعني أن الذي يخرج من المدينة راغبًا عنها؛ أي: زاهدًا فيها، إنما هو إما جاهل بفضلها، وفضل الْمُقام فيها، وإما كافر بذلك، وكل واحد من هذين إذا خرج منها، فمن بقي من المسلمين خير منه، وأفضل على كل حال، وقد قضى اللَّه تعالى بأن مكة، والمدينة لا يخلوان من أهل العلم، والفضل، والدِّين إلى أن يرث اللَّه الأرض، ومن عليها، فهم الخلف


(١) الْجَدَث -بفتحتين-: القبر.
(٢) "المفهم" ٣/ ٤٩٦.
(٣) راجع: "المصباح المنير" ١/ ٢٣١.
(٤) "المصباح المنير" ١/ ١٧٨ - ١٧٩.