للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ممن خرج رغبةً عنها. انتهى (١).

(ألا) أداة استفتاح وتنبيه، تدلّ على تحقّق ما بعدها، وتدخل على الجملة الاسمية، كقوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ} [البقرة: ١٣]، وعلى الفعلية، نحو قوله تعالى: {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا} [هود: ٨] (٢). (إِنَّ الْمَدِينَةَ كَالْكِيرِ) بكسر الكاف: زِقّ الْحَدّاد الذي يَنفُخ به، ويكون أيضًا من جلد غليظ، وله حافات، وجمعه كِيَرَةٌ، مثلُ عِنَبَةٍ، وأَكْيَارٌ، وقال ابن السِّكِّيت: سمعت أبا عمرو يقول: الْكُورُ بالواو: الْمَبْنيّ من الطين، والْكِيرُ بالياء: الزِّقّ، والجمع أَكيارٌ، مثلُ حِمْل وأحمال. انتهى (٣).

(تُخْرِجُ الْخَبِيثَ) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قال العلماء: خَبَث الحديد، والفضة، هو وسخهما، وقَذَرهما الذي تخرجه النار منهما (٤).

وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا تشبيه واقع؛ لأن الكيرَ لشدَّة نفخه يَنفي عن النار السُّخَام (٥)، والدُّخَان، والرَّماد، حتى لا يبقى إلا خالصُ الجمر والنار، هذا إن أراد بالكير الْمِنفَخ الذي ينفخ به النار، وأما إذا أراد به الموضع المشتمل على النار، وهو المعروف عند أهل اللغة، فيكون معناه: أن ذلك الموضع لشدَّة حرارته يَنزعُ خبث الحديد، والذهب، والفضة، ويُخرِج خلاصة ذلك، والمدينة كذلك بما فيها من شدّة العيش، وضيق الحال، تُخَلِّص النفس من شهواتها، وشَرَهها، وميلها إلى اللذات، والمستحسنات، فتتزكى النفس عن أدرانها، وتبقى خلاصتُها، فيظهر سرُّ جوهرها، وتعمّ بركاتها، ولذلك قال في الرواية الأخرى: "تَنْفِي خَبَثها، ويَنْصَع طيبها" (٦).

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: قوله: "لِما فيها من شدّة العيش. . . إلخ" فيه نظر؛ إذ لو كان لذلك لكان كلّ بلد فيه شدّة عيش، وخشونة حال أن يكون كذلك، فلا يكون للمدينة فضلٌ أصلًا، بل الحقّ أن ذلك لخصوصيّة المدينة،


(١) "المفهم" ٣/ ٤٩٦ - ٤٩٧.
(٢) راجع: "مغني اللبيب" ١/ ١٤٣ - ١٤٤.
(٣) "المصباح المنير" ٢/ ٥٤٥.
(٤) "شرح النوويّ" ٩/ ١٥٣ - ١٥٤.
(٥) السُّخَام وزانُ غُرَاب: سواد القِدر.
(٦) "المفهم" ٣/ ٤٩٧.