للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ابتداؤه في المدينة، ثم يغلب على سائر القرى، ويعلو سائر المُلك، فكأنها قد أتت عليها، لا أن المدينة تأكل القُرى. انتهى (١).

وقال البغويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرح السنّة": قوله: "تأكل القرى"؛ أي: يُجلب إليها طعام القرى، فهي تأكلها، وأراد ما يَحصُل من الفتوح على أيديهم، ويصيبون من الغنائم، وأضاف الأكل إلى القرية، والمراد: أهلها، كما قال تعالى: {يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} [يوسف: ٤٨] أضاف الأكل إلى السنين، والمراد: أهل زمانها.

قال: وسُمّيت القرية قريةً؛ لاجتماع الناس فيها، من قَرَيت الماء في الحوض؛ أي: جمعته، ورُوي أن عمر بن عبد العزيز حين خرج من المدينة التفت إليها، فَبَكَى، ثم قال: يا مزاحم أتخشى أن نكون ممن نَفَتِ المدينة؟ انتهى (٢).

(يَقُولُونَ: يَثْرِبَ، وَهِيَ الْمَدِينَةُ)؛ أي: إن بعض المنافقين يسميها يثرب، واسمها الذي يليق بها المدينة، وفَهِم بعض العلماء من هذا كراهة تسمية المدينة يثرب، وقالوا: ما وقع في القرآن إنما هو حكاية عن قول غير المؤمنين.

ورَوَى أحمد من حديث البراء بن عازب يرفعه: "مَن سَمَّى المدينة يثرب، فليستغفر اللَّه، هي طابة، هي طابة".

ورَوَى عمر بن شبة من حديث أبي أيوب -رضي اللَّه عنه-: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى أن يقال للمدينة: يثرب"، ولهذا قال عيسى بن دينار من المالكية: مَن سَمَّى المدينة يثرب كُتبت عليه خطيئة، قال: وسبب هذه الكراهة؛ لأن يثرب إمّا من التثريب الذي هو التوبيخ، والملامة، أو من الثَّرْب، وهو الفساد، وكلاهما مستقبح، وكان -صلى اللَّه عليه وسلم- يُحب الاسم الحسن، وَيكره الاسم القبيح.

وذكر أبو إسحاق الزجاج في "مختصره"، وأبو عبيد البكريّ في "معجم ما استعجم" أنها سُمِّيت يثرب باسم يثرب بن قانية بن مهلايل بن عيل بن


(١) "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبّان" ٩/ ٣٩ - ٤٠.
(٢) "شرح السنة" ٧/ ٣٢٠ - ٣٢١.