٤ - (ومنها): ما قاله أبو عمر بن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: في هذا الحديث من العلم أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يبايع الناس على حدود الإسلام، ومعنى ذلك أنه كان يبايعهم على شروط الإسلام، ومعالمه، وهذا معروف في غير ما حديث، وكان ذلك الوقت من حدود الإسلام، وفرائضه البيعة على هجرة الأوطان، والبقاء مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولذلك كان قطع اللَّه ولاية المؤمنين المهاجرين ممن لم يهاحر منهم، فقال:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا}[الأنفال: ٧٢]، وقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنا بريء من كل مسلم باق مع مشرك"(١)، وكان يشترط عليهم السمع والطاعة، في العسر واليسر، والمنشط والمكره، إلى أشياء كثيرة، كان يشترطها قد ورد في الآثار ذكرها، كبيعته للنساء وغيرها، وقد ورد بالنصّ بيعته للنساء المهاجرات، وسكت عن الرجال لدخولهم في المعنى، كدخول من أُحصن من الرجال في قوله:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ}[النور: ٤]، ومثل هذا كثير، وقد ذكر جرير -رضي اللَّه عنه- أنه اشترط عليهم النصح لكل مسلم.
قال: ومعنى هذه المبايعة -واللَّه أعلم- الإعلام بحدود الإسلام، وشرائعه، وآدابه، وقال الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أما بيعة النساء فلم يشترط فيها السمع والطاعة؛ لأنهن ليس عليهنّ جهاد كافرٍ، ولا باغٍ، وإنما كانت بيعتهنّ على الإسلام وحدوده.
قال أبو عمر: قد كانت البيعة على وجوه:
منها: أنها كانت أوّلًا على القتال، وعلى أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم، وأبناءهم، ونساءهم، وعلى نحو ذلك كانت بيعة العقبة الثانية قبل الهجرة، ثم لمّا هاجر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المدينة بايع الناس على الهجرة،
(١) حديث صحيح. أخرجه أبو داود في "سننه" بإسناد صحيح، عن جرير بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه-، قال: "بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سرية إلى خثعم، فاعتصم ناس منهم بالسجود، فأسرع فيهم القتل"، قال: فبلغ ذلك النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمر لهم بنصف العقل، وقال: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين"، قالوا: يا رسول اللَّه لم؟ قال: "لا تراءى ناراهما". انتهى.