للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْجَنَّةَ") قال الكرمانيّ رحمه الله تعالى: [فإن قلت]: من أين عَلِم ابن مسعود - رضي الله عنه - هذا الحكم؟.

[قلت]: من حيث إن انتفاء السبب يوجب انتفاء المسبَّب، فإذا انتفى الشرك انتفى دخول النار، وإذا انتفى دخول النار يلزم دخول الجنّة؛ إذ لا ثالث لهما، أو مما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الآية [النساء: ٤٨]، ونحوه. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: إنما عبّر ابن مسعود - رضي الله عنه - إلى ما قاله مع أن المتّجه أن يقول: "ومن مات لا يُشرك بالله شيئًا لا يدخل النار"؛ لكون عدم دخوله النار غير محقّق بتقدير عصيانه، بخلاف دخول الجنّة فإنه محقّقٌ للموحّد، ولو كان آخرًا، فلذا جَزَم به، والله تعالى أعلم (٢).

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: قول ابن مسعود - رضي الله عنه -: "وقلت أنا … إلخ" يعني بذلك: أنه لم يسمع هذا اللفظ من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نصًّا، وإنما استنبطه من الشريعة، إما دليل خطاب قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من مات يشرك بالله شيئًا دخل النار"، أو من ضرورة انحصار الجزاء في الجنّة والنار، أو من غير ذلك، وعلى الجملة، فهذا الذي لم يسمعه ابن مسعود - رضي الله عنه - من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هو حقٌّ في نفسه، وقد رواه جابر - رضي الله عنه - في الحديث التالي من قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. انتهى (٣).

وقد اعترض القاضي عياض رحمه الله تعالى على قوله: "إما بدليل الخطاب"، ودونك عبارته، قال: استدلّ به بعضهم على صحّة دليل الخطاب، وفي الاستدلال به ضعفٌ، وهو كلام من لم يُميّز دليل الخطاب؛ إذ لا يدلّ وجوب النار لمن مات على الكفر على وجوب الجنّة لمن كان على ضدّه، وإنما دليل خطابه أنه لا يدخل النار، وأما صحّة قول ابن مسعود - رضي الله عنه - فمن دليل صحّة التقسيم، لا من دليل الخطاب؛ لأنه لَمّا قال - صلى الله عليه وسلم -: "من مات يُشرك


(١) "شرح البخاريّ" للكرمانيّ ٣/ ٤٩ - ٥٠.
(٢) وقد أشار إلى نحو هذا الكرمانيّ، وقد نقله في "الفتح" ١١/ ٥٧٦ "كتاب الأيمان والنذور" ح (٦٦٨٤ - ٦٦٨٦)، فتصرّفت فيه بالزيادة والإيضاح.
(٣) "المفهم" ١/ ٢٩٠.