كلهم عن شقيق، وهذا هو الذي يقتضيه النظر؛ لأن جانب الوعيد ثابت بالقرآن، وجاءت السنة على وفقه، فلا يحتاج إلى استنباط، بخلاف جانب الوعد، فإنه في محلّ البحث؛ إذ لا يصح حمله على ظاهره، كما تقدم.
وكأنّ ابن مسعود - رضي الله عنه - لم يبلغه حديث جابر - رضي الله عنه - الذي أخرجه مسلم بلفظ: قيل: يا رسول الله، ما الموجبتان؟ قال:"من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار".
وقال النوويّ: الجيد أن يقال: سَمِع ابن مسعود اللفظتين من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولكنه في وقت حفظ إحداهما وتيقنها، ولم يحفظ الأخرى، فرفع المحفوظة، وضمّ الأخرى إليها، وفي وقت بالعكس، قال: فهذا جمع بَيْن روايتي ابن مسعود، وموافقته لرواية غيره في رفع اللفظتين. انتهى.
قال الحافظ: وهذا الذي قال محتمل بلا شكّ، لكن فيه بُعْدٌ، مع اتّحاد مخرج الحديث، فلو تعدد مخرجه إلى ابن مسعود، لكان احتمالًا قريبًا، مع أنه يُسْتَغرب مِنِ انفراد راو من الرواة بذلك دون رفقته، وشيخهم ومن فوقه، فنسبة السهو إلى شخص ليس بمعصوم أولى من هذا التعسُّف. انتهى كلام الحافظ رحمه الله تعالى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي حقّقه الحافظ رحمه الله تعالى، من ردّه الجمع الذي ذكره النوويّ، واستبعاده له؛ حيث إن مخرج الحديث واحد؛ إذ مثل هذا الجمع إنما يُقبل إذا تعدّد مخرج الحديث، هو الصواب في نظري؛ لوضوح حجّته، واستنارة محجّته، وأما اعتراض العينيّ عليه في ذلك فمما لا يخفى على منصف كونه من عادته المستمرّة في الاعتراض، والتحامل دون تأمّل، فتنبّه لذلك، وتأمّله بإنصاف، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
[تنبيه]: حَكَى الخطيب البغداديّ رحمه الله تعالى في كتابه "المدرج" أن أحمد بن عبد الجبار رواه عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، مرفوعًا كلَّه، وأنه وَهِمَ في ذلك. انتهى (١).
قال ابن مسعود - رضي الله عنه - (وَقُلْتُ أَنَا: "وَمَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ