للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فاحمل عليه من شئت، ثم خرج حتى إذا بلغ بئر إهاب، قال: "يوشك البنيان أن يأتي هذا المكان، ويوشك الشام أن يُفتح، فيأتيه رجال من أهل هذا البلد، فيعجبهم رَيعه، ورخاؤه، والمدينة خير لهم. . . "، الحديث (١).

(وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ، لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)؛ أي: بفضلها من الصلاة في المسجد النبويّ، وثواب الإقامة فيها، وغير ذلك، ويَحْتَمِل أن تكون "لو" بمعنى "ليت"، فلا يحتاج إلى تقدير، وعلى الوجهين ففيه تجهيل لمن فارقها، وآثر غيرها، قالوا: والمراد به الخارجون من المدينة رغبةً عنها، كارهين لها، وأما من خرج لحاجة، أو تجارة، أو جهاد، أو نحو ذلك، فليس بداخل في معنى الحديث.

وقال البيضاويّ: المعنى: أنه يُفتح اليمن، فيُعجب قومًا بلادها وعيش أهلها فيحملهم ذلك على المهاجرة إليها بأنفسهم، وأهليهم حتى يخرجوا من المدينة، والحال أن الإقامة في المدينة خير لهم؛ لأنها حرم الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، وجواره، ومهبط الوحي، ومنزل البركات، لو كانوا يعلمون ما في الإقامة بها من الفوائد الدينية، والعوائد الأخروية التي يُسْتَحْقَر دونها ما يجدونه من الحظوظ الفانية العاجلة بسبب الإقامة في غيرها.

وقوّاه الطيبيّ لتنكير "قوم"، ووصفهم بكونهم يبسّون، ثم توكيده بقوله: "لو كانوا يعلمون"؛ لأنه يُشعر بأنهم ممن رَكَن إلى الحظوظ البهيمية، والحطام الثاني، وأعرضوا عن الإقامة في جوار الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولذلك كَرَّر قومًا ووصفه في كل قرينة بقوله: "يبسّون" استحضارًا لتلك الهيئة القبيحة.

قال: والذي يقتضيه هذا المقام أن يُنَزَّل "يعلمون" منزلة اللازم؛ لينتفي عنهم العلم والمعرفة بالكلية، ولو ذُهب مع ذلك إلى معنى التمني لكان أبلغ؛ لأن معنى التمني طلب ما لا يمكن حصوله؛ أي: لَيْتَهُم كانوا من أهل العلم؛ تغليظًا وتشديدًا. انتهى كلام الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢).

(ثُمّ تُفْتَحُ الْيَمَنُ) هو الإقليم المعروف، سُمّي بذلك؛ لأنه عن يمين


(١) "الفتح" ٥/ ١٩٤ - ١٩٥.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٦/ ٢٠٥٨.