للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الذين يبسون، كأن الذي حضر الفتح أعجبه حسن البلد، ورخاؤها (١)، فدعا قريبه إلى المجيء إليها؛ لذلك، فَيَتَحَمَّل المدعوّ بأهله وأتباعه.

قال ابن عبد البرّ (٢): ورُوي "يُبِسُّون" بضم أوله، وكسر ثانيه، من الرباعيّ، من أَبَسَّ إِبساسًا، ومعناه يُزَيِّنون لأهلهم البلد التي يقصدونها، وأصل الإبساس للتي تُحْلَب حتى تُدِرَّ باللبن، وهو أن يُجري يده على وجهها، وصفحة عنقها، كأنه يُزَيِّن لها ذلك، ويُحَسِّنه لها، وإلى هذا ذهب ابن وهب، وكذا رواه ابن حبيب، عن مُطَرِّف، عن مالك: "يُبِسُّون" من الرباعيّ، وفسّره بنحو ما ذكرنا، وأنكر الأول غاية الإنكار.

وقال النووي: الصواب أن معناه الإخبار عمن خرج من المدينة مُتَحَمِّلًا بأهله باسًّا في سيره، مُسرعا إلى الرخاء، والأمصار المفتتحة (٣).

قال الحافظ: ويؤيده رواية ابن خزيمة، من طريق أبي معاوية، عن هشام، عن عروة، في هذا الحديث، بلفظ: "تُفْتَح الشامُ، فيخرج الناس من المدينة إليها، يُبِسُّون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون"، ويوضح ذلك ما رَوَى أحمد، من حديث جابر -رضي اللَّه عنه-؛ أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "ليأتينّ على أهل المدينة زمان، يَنطلِق الناس منها إلى الأرياف، يلتمسون الرخاء، فيجدون رخاء، ثم يأتون، فيتحملون بأهليهم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون"، وفي إسناده ابن لَهِيعة، ولا بأس به في المتابعات، وهو يوضح ما قلناه، واللَّه أعلم.

ورَوَى أحمد في أول حديث سفيان هذا قصةً، أخرجها من طريق بِشر بن سعيد؛ أنه سمع في مجلس الليثيين، يذكرون أن سفيان بن أبي زُهير أخبرهم؛ أن فرسه أعيت بالعقيق، وهو في بعث، بعثهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فرجع إليه يستحمله، فخرج معه يبتغي له بعيرًا، فلم يجده إلا عند أبي جهم بن حُذيفة العدويّ، فسامه له، فقال له أبو جهم: لا أبيعكها يا رسول اللَّه، ولكن خذه،


(١) أنّث الضمير؛ لأن البلد يُذكّر، ويؤنّث، كما في "المصباح المنير" ١/ ٦٠.
(٢) "التمهيد" ٢٢/ ٢٢٤ - ٢٢٥، و"الاستذكار" ٢٦/ ٢٧ - ٢٨.
(٣) "شرح النوويّ" ٩/ ١٥٨.