للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فتح اليمن على الشام والعراق، وهي رواية مالك عند البخاريّ، وهي الموافقة للواقع، قال ابن عبد البرّ وغيره: افتُتِحت اليمن في أيام النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفي أيام أبي بكر، وافتُتحت الشام بعدها، والعراق بعدها، وفي هذا الحديث عَلَمٌ من أعلام النبوة، فقد وقع على وفق ما أخبر به النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعلى ترتيبه، ووقع تفرّق الناس في البلاد؛ لِمَا فيها من السعة والرخاء، ولو صبروا على الإقامة بالمدينة، لكان خيرًا لهم.

وفي هذا الحديث فضل المدينة على البلاد المذكورة، وهو أمر مُجْمَعٌ عليه، وفيه دليل على أن بعض البقاع أفضل من بعض، ولم يختلف العلماء في أن للمدينة فضلًا على غيرها، وإنما اختلفوا في الأفضلية بينها وبين مكة.

(فَيَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ) النبويّة (قَوْمٌ بِأَهْلِيهِمْ يَبُسُّونَ) -بفتح أوله، وضم الموحدة، وبكسرها- من بَسّ يَبِسّ، قال ابن عبد البرّ في رواية يحيى بن يحيى: بكسر الموحدة، وقيل: إن ابن القاسم رواه بضمها، قال أبو عبيد: معناه يسوقون دوابهم، والبَسّ سوق الإبل، تقول: بَسْ بَسْ عند السوق، وإرادة السرعة، وقال الداوديّ: معناه: يزجرون دوابهم، فيَبُسُّون ما يطؤونه من الأرض، من شدة السير، فيصير غُبارًا، قال تعالى: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (٥)} [الواقعة: ٥]؛ أي: سالت سَيْلًا، وقيل: معناه: سارت سيرًا، وقال ابن القاسم: البَسّ المبالغة في الْفَتِّ، ومنه قيل للدقيق المصنوع بالدهن: بَسِيسٌ، وأنكر ذلك النوويّ، وقال: إنه ضعيف، أو باطلٌ (١).

قال ابن عبد البرّ: وقيل: معنى يبسّون: يسألون عن البلاد، ويستقرئون أخبارها؛ ليسيروا إليها، قال: وهذا لا يكاد يعرفه أهل اللغة، وقيل: معناه يُزَيِّنون لأهلهم البلاد التي تُفتَح، ويدعونهم إلى سكناها، فيتحملون بسبب ذلك من المدينة راحلين إليها، ويشهد لهذا حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- المتقدّم عند مسلم مرفوعًا: "يأتي على الناس زمان، يدعو الرجل ابن عمه وقريبه، هَلُمّ إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون"، وعلى هذا فالذين يتحملون غير


(١) "شرح النوويّ" ٩/ ١٥٨.