للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المسجد، ثم نظر إلينا، فقال: "أما واللَّه ليَدَعَنَّها أهلُها مُذَلَّلَة أربعين عامًا للعوافي، أتدرون ما العوافي؟ الطير والسباع".

قال الحافظ: وهذا لم يقع قطعًا.

وقال المهلّب: في هذا الحديث أن المدينة تُسْكَن إلى يوم القيامة، وإن خَلَت في بعض الأوقات؛ لقصد الراعيين بغنمهما إلى المدينة.

(ثُمَّ يَخْرُجُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ) وفي رواية البخاريّ: "وآخر من يحشر راعيان من مزينة"، قال في "الفتح": هذا يَحْتَمِل أن يكون حديثًا آخر مستقلًّا، لا تعلق له بالذي قبله، ويَحْتَمِل أن يكون من تتمة الحديث الذي قبله، وعلى هذين الاحتمالين يترتب الاختلاف الذي حكيته عن القرطبيّ، والنوويّ، والثاني أظهر. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: ومما يؤيّد الثاني، وهو كونه من تتمّة الحديث رواية المصنّف بلفظ: "ثمّ يَخرُجُ"، فقد عطفه بـ "ثُمَّ" المرتّبة بمهلة، فتأمل، واللَّه تعالى أعلم.

(يُرِيدَانِ الْمَدِينَةَ، يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا) بكسر العين المهملة، وفتحها، بعدها قاف، يقال: نَعَقَ بغنمه: كمنع، وضرب نَعْقًا، ونَعِيقًا، ونُعاقًا بالضمّ، ونَعَقَانًا بفتحات: صاح بها، وزجرها، قاله المجدّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

وقال في "الفتح": والنَّعِيق زجر الغنم، يقال: نَعَق يَنْعَق بكسر العين وفتحها، نَعِيقًا، ونُعَاقًا: ونَعَقاقًا: إذا صاح بالغنم، وأغرب الداوديّ، فقال: معناه: يطلب الكلأ، وكأنه فسّره بالمقصود من الزجر؛ لأنه يزجرها عن المرعى الوَبِيل إلى المرعى الوسيم. انتهى (٢).

(فَيَجدَانِهَا وَحْشًا)؛ أي: خاليةً ليس بها أحدٌ، والوحش من الأرض: الخلاء، أَو كثيرة الوحش لَمّا خلت من سكانها، ورواه البخاريّ بلفظ: "وحُوشًا"؛ أي: يجدانها ذات وحش، أو يجدان أهلها قد صاروا وُحُوشًا، قال في "الفتح": وهذا على أن الرواية بفتح الواو؛ أي: يجدانها خاليةً.

وقال النوويّ: الصحيح أن معناه يجدانها ذات وحوش، قال: وقد يكون


(١) "القاموس المحيط" ٣/ ٢٨٦.
(٢) "الفتح" ٥/ ١٩١.