للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَحْشًا بمعنى وحوش، وأصل الوحش كلُّ شيء توحَّش من الحيوان، وجمعه وُحُوشٌ، وقد يعبّر بواحده عن جمعه، وحُكِي عن ابن المرابط أن معناه أن غنم الراعيين المذكورين تصير وُحوشًا، إما بأن تنقلب ذاتها، وإما أن تتوحش وتنفر منهما، وعلى هذا فالضمير في "يجدانها" يعود على الغنم، والظاهر خلافه، قال النوويّ: الصواب الأول.

وقال القرطبيّ: القدرة صالحة لذلك. انتهى.

قال الحافظ: ويؤيده أن في بقية الحديث: أنهما يخران على وجوههما إذا وصلا إلى ثنية الوداع، وذلك قبل دخولهما المدينة بلا شكّ، فيدلّ على أنهما وجدا التوحش المذكور قبل دخول المدينة، فيقوى أن الضمير يعود على غنمهما، وكان ذلك من علامات قيام الساعة، ويوضح هذا رواية عمر بن شبة في "أخبار المدينة" من طريق عطاء بن السائب، عن رجل من أشجع، عن أبي هريرة موقوفًا، قال: "آخر من يحشر رجلان: رجل من مزينة، وآخر من جهينة، فيقولان: أين الناس؟ فيأتيان المدينة، فلا يريان إلا الثعالب، فينزل إليهما ملكان، فيسحبانهما على وجوههما، حتى يلحقاهما بالناس".

(حَتَّى إِذَا بَلَغَا) أي: الراعيان (ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ) قال المجد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الثنيةُ: العَقَبةُ، أو طريقها، أو الجبل، أو الطريقة فيه، أو إليه. انتهى (١).

وقال ابن الأثير -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الثنيّةُ في الجبل كالعَقَبة فيه، وقيل: هو الطريق العالي فيه، وقيل: أعلى المسيل في رأسه. انتهى (٢).

و"الوَداع" بفتح الواو اسم من التوديع، قال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ودّعتُهُ توديعًا، والاسم: الوَداع بالفتح، مثلُ سلّ سَلَامًا، وهو أن تُشَيِّعه عند سفره. انتهى (٣).

وسُمّي ثنيّة الوداع؛ لأن الخارج من المدينة يمشي معه الموَدِّعُون إليها، قاله في "العمدة" (٤).

وقوله: (خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا") كناية عن سقوطهما ميتين، وتقدّم في رواية البخاريّ: "وآخر من يحشر راعيان من مزينة"، قال في "الفتح": لم يذكر في


(١) "القاموس المحيط" ٤/ ٣٠٩.
(٢) "النهاية" ١/ ٢٢٦.
(٣) "المصباح المنير" ٢/ ٦٥٣.
(٤) "عمدة القاري" ١٠/ ٢٣٨.