للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحديث -يعني في رواية مسلم هذه- حشرهما، وإنما ذكر مقدمته؛ لأن الحشر إنما يقع بعد الموت، فذكر سبب موتهما، والحشر يعقبه، وقوله على هذا: "خَرّا على وجوههما": سقطا ميتين، أو المراد بقوله: "خَرَا على وجوههما"؛ أي: سقطا بمن أسقطهما، وهو الملَك، كما تقدم في رواية عمر بن شبة، وفي رواية للعقيليّ: أنهما كانا ينزلان بجبل وَرْقان، وله من حديث حذيفة بن أَسِيد: أنهما يفقدان الناس، فيقولان: ننطلق إلى بني فلان، فيأتيانهم، فلا يجدان أحدًا، فيقولان: "ننطلق إلى المدينة، فينطلقان، فلا يجدان بها أحدًا، فينطلقان إلى البقيع، فلا يريان إلا السباع والثعالب"، وهذا يوضح أحد الاحتمالات المتقدمة.

وقد رَوَى ابن حبان من طريق عروة، عن أبي هريرة، رفعه: "آخر قرية في الإِسلام خرابًا المدينة"، وهو يناسب كون آخر من يُحْشَر يكون منها.

[تنبيه]: أنكر ابن عمر على أبي هريرة تعبيره في هذا الحديث بقوله: "خير ما كانت"، وقال: إن الصواب: "أَعْمَرَ ما كانت"، أخرج ذلك عمر بن شبة في "أخبار المدينة" من طريق مُساحق بن عمرو؛ أنه كان جالسًا عند ابن عمر، فجاء أبو هريرة، فقال له: لِمَ ترُدّ عليّ حديثي؟ فواللَّه لقد كنتُ أنا وأنت في بيت، حين قال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يخرج منها أهلها خير ما كانت"، فقال ابن عمر: أجل، ولكن لم يقل: خير ما كانت، إنما قال: "أعمر ما كانت"، ولو قال: خير ما كانت، لكان ذلك، وهو حيّ وأصحابه، فقال أبو هريرة: صدقت، والذي نفسي بيده.

ورَوَى مسلم من حديث حذيفة؛ أنه لما سأل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عمن يُخْرِج أهل المدينة من المدينة، ولعمر بن شبة من حديث أبي هريرة: قيل: يا أبا هريرة، من يخرجهم؟ قال: أمراء السوء، ذكره في "الفتح" (١)، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "الفتح" ٥/ ١٩٢.