قال: فكيف يحتجون بحديث قد روي فيه ضِدَّ ما ذكروه نصًّا من روايات الثقات إلى ما في إسناده من الاختلاف أيضًا؟
وقد ذكره عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: أخبرني سليمان بن عتيق، وعطاء، عن ابن الزبير أنهما سمعاه يقول:"صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيه، ويشير إلى مسجد المدينة".
ثم رَوَى ابن عبد البر بإسناده عن سليمان بن عتيق، عن ابن الزبير، عن عمر:"صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنما فضله عليه بمائة صلاة"، ثم قال: على أنه لم يُتابع سليمان بن عتيق على ذكره عمر، وهو مما أخطأ فيه عندهم، وانفرد به، وما انفرد به فلا حجة فيه، وإنما الحديث محفوظ عن ابن الزبير. انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تبيّن بما سبق من التحقيق أن المراد بالاستثناء تفضيل المسجد الحرام على مسجد المدينة، كما هو رأي الجمهور، فما ذهبوا إليه هو الحقُّ؛ لظهور أدلّته، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): أنه استَدَلّ الجمهور بهذا الحديث بالتقرير الذي تقدم على تفضيل مكة على المدينة؛ لأن الأمكنة تشرف بفضل العبادة فيها على غيرها، مما تكون العبادة فيه مرجوحة.
وهو مذهب سفيان بن عيينة، والشافعي، وأحمد، في أصح الروايتين عنه، وابن وهب، ومطرف، وابن حبيب؛ الثلاثة من أصحاب المالكية، وحكاه الساجيّ، عن عطاء بن أبي رباح، والمكيين، والكوفيين، وبعض البصريين والبغداديين، وحكاه ابن عبد البر -رَحِمَهُ اللَّهُ- عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي الدرداء، وابن عمر، وجابر، وعبد اللَّه بن الزبير، وقتادة، لكن حَكَى القاضي عياض، والنووي عن عمر أن المدينة أفضل، وحكاه ابن بطال، عن عمر بصيغة التمريض، فقال: وروي عن عمر، قال ابن عبد البر: وقد روي عن