القائلين بالعكس، وناقضًا لما تمسكوا به، بما لا تجده في كتاب غيره، فلتُراجع كتابه المذكور (١)، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): استثنى القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ- من القول بتفضيل مكة البقعة التي دُفن فيها النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وضمّت أعضاءه الشريفة، وحكى اتفاق العلماء على أنها أفضل بقاع الأرض.
وقال النوويّ في "شرح المهذب": ولم أر لأصحابنا تعرُّضًا لما نقله، قال ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وتُعُقِّب على القاضي بأن هذا لا يتعلق بالبحث المذكور؛ لأن محله ما يترتب عليه الفضل للعباد.
وأجاب القرافيّ: بأن سبب التفضيل لا ينحصر في كثرة الثواب على العمل، بل قد يكون لغيرها، كتفضيل جلد المصحف على سائر الجلود.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: جواب القرافيّ هذا غير مفيد، بل التعقب المذكور على وجهه، فافهم.
قال ابن عبد البر: وكان مالك يقول: مِنْ فَضْلِ المدينة على مكة أني لا أعلم بقعة فيها قبر نبيّ معروف غيرها، قال ابن عبد البر: يريد ما يُشَكّ فيه، فإن كثيرًا من الناس يزعم أن قبر إبراهيم عليه السلام بيت المقدس، وأن قبر موسى عليه السلام هناك، ثم ذكر حديث أبي هريرة المرفوع في سؤال موسى عليه السلام ربه أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، ثم قال: إنما يُحتج بقبر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على من أنكر فضلها، أما من أقر به، وأنه ليس على وجه الأرض أفضل بعد مكة منها، فقد أنزلها منزلتها، واستعمل القول بما جاء عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في مكة، وفيها.
ثم روى ابن عبد البر عن عليّ بن أبي طالب أنه قال: إني لأعلم أي بقعة أحب إلى اللَّه في الأرض؟ هي البيت الحرام، وما حوله.
وقال بعضهم: سبب تفضيل البقعة التي ضمت أعضاءه الشريفة أنه روي "أن المرء يدفن في البقعة التي أخذ منها ترابه عندما يُخْلَق"، رواه ابن عبد البر في أواخر "التمهيد" من طريق عطاء الخراسانيّ موقوفًا، وعلى هذا، فقد رَوَى