للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إلى اختصاص التضعيف بالفرض، وهو مقتضى كلام ابن حزم الظاهريّ؛ لأنه أوجب صلاة الفرض في أحد المساجد الثلاثة بنذره ذلك، ولم يوجب التطوع فيها بالنذر، وقال النوويّ: وهو خلاف الأحاديث الصحيحة.

قال وليّ الدين العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قد يقال: لا عموم في اللفظ؛ لأنه نكرة في سياق الإثبات، وساعد ذلك أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"، وقد يقال: هو عامّ؛ لأنه وإن كان في الإثبات، فهو في معرض الامتنان.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله أخيرًا هو الأَولى، فالنص عامّ، وإن كان في سياق الإثبات، بدليل أن الكلام ذُكر لبيان امتنان اللَّه تعالى على نبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، حيث فَضَّل مسجده بهذا الفضل العظيم، واللَّه تعالى أعلم.

وقال الحافظ العراقيّ في "شرح الترمذيّ": تكون النوافل في المسجد مضاعفة بما ذُكر من ألف في المدينة، ومائة ألف في مكة، ويكون فعلها في البيت أفضل، لعموم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"، بل ورد في بعض طرقه أن النافلة في البيت أفضل من فعلها في مسجده -صلى اللَّه عليه وسلم-. انتهى (١).

وقال في "الفتح": ويمكن أن يقال: لا مانع من إبقاء الحديث على عمومه، فتكون صلاة النافلة في البيت بالمدينة، أو مكة تضاعف على صلاتها في البيت بغيرهما، وكذا في المسجدين، وإن كانت في البيوت أفضل مطلقًا. انتهى (٢)، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة التاسعة): استُدِلّ بهذا الحديث على أن تضعيف الصلاة في مسجد المدينة يختص بمسجده -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي كان في زمنه، دون ما أُحدث بعده فيه من الزيادة في زمن الخلفاء الراشدين وغيرهم؛ لأن التضعيف إنما ورد في مسجده، وذاك هو مسجده، وأيضًا أكد ذلك بقوله في رواية "الصحيحين": "مسجدي هذا"، وبذلك صرح النوويّ، وقال: ينبغي أن يحرص المصلي على ذلك، ويتفطن لما ذكرته.


(١) "طرح التثريب" ٦/ ٥٢.
(٢) "الفتح" ٣/ ٦٠٨.