قال: وقد اختَلَفت الأحاديث في المقدار الذي تضاعف به الصلاة في مسجد بيت المقدس، فعند ابن ماجه من حديث ميمونة مولاة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن الصلاة فيه كألف صلاة في غيره"، وعند الطبراني في حديث أبي الدرداء:"إن الصلاة بخمسمائة صلاة"، وفي حديث أنس عند ابن ماجه:"إن الصلاة فيه بخمسين ألف صلاة".
فعلى هذا تكون الصلاة بمسجد المدينة إما بأربعة آلاف على مقتضى حديث ميمونة، وإما بألفين على مقتضى حديث أبي الدرداء، وإما بمائتي ألف صلاة على مقتضى حديث أنس، لكنه في هذا الحديث سوّى بين مسجد المدينة وبين مسجد بيت المقدس.
وأصح طرق أحاديث الصلاة ببيت المقدس:"إنها بألف صلاة"، فعلى هذا أيضًا يستوي المسجد الأقصى مع مسجد المدينة، وعند أحمد من حديث أبي هريرة، أو عائشة، مرفوعًا:"صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الأقصى"، وعلى هذا فتُحْمَل هذه الرواية على تقدير ثبوتها: إلا المسجد الأقصى، فإنهما مستويان في الفضل، ولا مانع من المصير إلى هذا؛ أي: فإنه ليس بأفضل من ألف صلاة فيه، بل هو مساوٍ له.
وأصح طرق أحاديث التضعيف في المدينة:"إنها أفضل من ألف"، والأصح في بيت المقدس "إنها بألف"، فيمكن أيضًا أن يكون التفاوت بينهما بالزيادة على الألف، واللَّه تعالى أعلم. انتهى كلام العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرح الترمذيّ"(١).
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: عندي الأَولى في مثل هذا الاختلاف أن يُسْلَك مسلك الترجيح، فيؤخذ بالأصح، كما أشار إليه العراقيّ آنفًا، فلا حاجة لسائر الروايات المخالفة للأصح، فليتنبه، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثامنة): ظاهر الحديث أنه لا فرق في تضعيف الصلاة بين الفرض والنفل، وبه قال الشافعية، ومُطَرِّف، من المالكية، وذهب الطحاويّ