للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المسافر، وإلا فلا فرق بين ركوب الرواحل، والخيل، والبغال، والحمير، والمشي في المعنى المذكور، ويدل عليه قوله في بعض طرقه: "إنما يُسَافَرُ"، وهو الحديث الأخير عند مسلم في هذا الباب.

(إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ) الاستثناء هنا مُفَرَّغ، والتقدير لا تشد الرحال إلى موضع من المواضع، ولازمه منع السفر إلى كلّ موضع غيرها؛ لأن المستثنى منه في المفرَّغ مقدَّر بأعم العامّ، لكن يمكن أن يكون المراد بالعموم هنا الموضع المخصوص، وهو المسجد كما سيأتي.

(مَسْجِدِي هَذَا) المراد مسجده - صلى الله عليه وسلم - الخاصّ بالصلاة، لا كلّ الحرم، فـ "مسجدي" يجوز فيه أوجه الإعراب الثلاثة: الجرّ على البدليّة، والرفع بتقدير مبتدأ، أي أحدهما، والنصب بتقدير فعل، كـ "أعني" (وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ) أي الْمُحَرَّم، وهو كقولهم: الكتاب، بمعنى المكتوب، و"مسجد" يجوز فيه أوجه الإعراب، كسابقه، وهو في رواية المصنّف بالإضافة إلى "الحرام"، فيكون من إضافة الموصوف إلى الصفة، جوّزه الكوفيّون، ومنعه البصريّون، وفي رواية البخاريّ: "والمسجد الحرام" بالتوصيف.

والمراد به جميع الحرم، وقيل: يَختص بالموضع الذي يُصَلَّى فيه دون البيوت وغيرها من أجزاء الحرم، قال الطبريّ: ويتأيد بقوله: "مسجدي هذا"؛ لأن الإشارة فيه إلى مسجد الجماعة، فينبغي أن يكون المستثنى كذلك، وقيل: المراد به الكعبة، حكاه المحبّ الطبريّ، وذكر أنه يتأيد بما رواه النسائي بلفظ: "إلا الكعبة"، وفيه نظر؛ لأن الذي عند النسائيّ: "إلا مسجد الكعبة"، حتى ولو سقطت لفظة مسجد لكانت مرادة، ويؤيد الأول ما رواه الطيالسيّ من طريق عطاء؛ أنه قيل له: هذا الفضل في المسجد وحده، أو في الحرم؟ قال: بل في الحرم؛ لأنه كله مسجد، قاله في "الفتح" (١).

(وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى) أي بيت المقدس، وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة، وقد جوّزه الكوفيون، واستشهدوا له بقوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} [القصص: ٤٤]، والبصريون يؤولونه بإضمار المكان، أي الذي بجانب


(١) "الفتح" ٣/ ٦٠٢.