بظاهر هذا الحديث، وأشار القاضي حسين من الشافعية إلى اختياره، وبه قال القاضي عياض وطائفة.
ويدل عليه إنكار بصرة بن أبي بصرة الغفاريّ - رضي الله عنه - على أبي هريرة - رضي الله عنه -، حين لقيه راجعًا من الطور، وكان قد أتى إليه ليصلي فيه، فقال له: لو لقيتك من قبل أن تأتيه لم تأته، قال أبو هريرة: ولم؟ قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"لا تُعْمَل المطيّ إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد بيت المقدس"(١)، فاستدل به بصرة على إنكاره إتيانه الطور، فدلّ على أنه يرى حمل الحديث على عمومه، ووافقه أبو هريرة.
قال في "الفتح": والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم، وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة: منها أن المراد أن الفضيلة التامة إنما هي في شدّ الرجال إلى هذه المساجد، بخلاف غيرها، فإنه جائز، وقد وقع في رواية لأحمد بلفظ:"لا ينبغي للمطي أن تعمل"، وهو لفظ ظاهر في غير التحريم.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: في هذا الجواب نظر لا يخفى؛ إذ لفظ "لا ينبغي" ظاهر في المنع والتحريم، فقد أكثر استعمال الشرع له في ذلك، قال الله تعالى:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ}[يس: ٦٩]، وكما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند البخاريّ:"شتمني ابن آدم، وما ينبغي له أن يشتمني. . ."، وقال تعالى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (٩٢)} [مريم: ٩٢]، وقال:{قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ}[الفرقان: ١٨] وبالجملة فهذه اللفظة في استعمال الشرع عظيمة الشأن، فالقول بأنها ظاهرة في غير التحريم غير صحيح، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
ومنها: أن النهي مخصوص بمن نذر على نفسه الصلاة في مسجد من سائر المساجد غير الثلاثة، فإنه لا يجب الوفاء به، قاله ابن بطال.
وقال الخطابيّ: اللفظ لفظ الخبر، ومعناه الإيجاب فيما ينذره الإنسان
(١) رواه النسائيّ في "المجتبى" في "الجمعة" (٤٥/ ١٤٣٠).