وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، وابن المنذر، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والخطيب، والضياء في "المختارة"، عن أُبيّ بن كعب، قال: سألت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن المسجد الذي أسس على التقوى؟ قال:"هو مسجدي هذا"، وأخرج الطبرانيّ، والضياء المقدسيّ في "المختارة"، عن زيد بن ثابت مرفوعًا، مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن مردويه، والطبرانيّ من طريق عروة بن الزبير، عن زيد بن ثابت، قال: المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال عروة: مسجد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - خير منه، إنما نزلت في مسجد قباء.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن مردويه عن ابن عمر، قال: المسجد الذي أسس على التقوى: مسجد النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأخرج المذكوران عن أبي سعيد الخدريّ مثله.
وقد روي عن جماعة غير هؤلاء مثل قولهم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقيّ في "الدلائل" عن ابن عباس أنه مسجد قباء، وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك مثله.
قال العلامة الشوكانيّ - رحمه الله - ما خلاصته: إنه لا يخفى أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قد عيّن هذا المسجد الذي أسس على التقوى، وجزم بأنه مسجده - صلى الله عليه وسلم -، كما قدّمنا من الأحاديث الصحيحة، فلا يقاوم ذلك قول فرد من الصحابة، ولا جماعة منهم، ولا غيرهم، ولا يصح إيراده في مقابلة ما قد صح عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا فائدة من إيراد ما ورد في فضل الصلاة في مسجد قباء، فإن ذلك لا يستلزم كونه المسجد الذي أسس على التقوى، على أن ما ورد في فضائل مسجده - صلى الله عليه وسلم - أكثر مما ورد في فضل مسجد قباء بلا شك.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله الشوكانيّ - صلى الله عليه وسلم -، واختاره قبله ابن جرير، وابن عطية، والقرطبيّ في تفسيرهم، من ترجيح قول من قال بظاهر حديث الباب، من أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لا مسجد قباء، تحقيق حقيق بالقبول؛ لموافقته الصحيح الصريح من النقول، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.