للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التسرّي، سواء خاف العَنَتَ، أم لا، كذا حكاه النوويّ عن العلماء كافّة، ثم قال: ولا نعلم أحدًا أوجبه إلا داود، ومن وافقه من أهل الظاهر، ورواية عن أحمد، فإنهم قالوا: يلزمه إذا خاف الْعَنَت أن يتزوّج، أو يتسرّى، قالوا: وإنما يلزمه في العمر مرّةً واحدة، ولم يشترط بعضهم خوف العنت، قال أهل الظاهر: إنما يلزمه التزوج فقط، ولا يلزمه الوطء. انتهى.

قال الحافظ وليّ الدين - رحمه الله - بعد ذكر كلام النوويّ المذكور - رحمه الله - ما نصّه: وفيه نظر، فهذا الذي ذكر أنه رواية عن أحمد هو المشهور من مذهبه، وظاهر كلام أصحابه تعيّن النكاح. وعنه رواية أخرى بوجوبه مطلقًا، وإن لم يخف العَنَت، كما حكاه النوويّ عن بعضهم، وعبارة ابن تيميّة في "المحرّر": النكاح السابق سنة مقدّمة على نفل العبادة، إلا أن يخشى الزنا بتركه، فيجب، وعنه يجب عليه مطلقًا. انتهى.

والوجوب عند خوف العنت وجه في مذهب الشافعيّ، حكاه الرافعيّ عن "شرح مختصر الجوينيّ"، وقال النوويّ في "الروضة": هذا الوجه، لا يحتم النكاح، بل يُخيّر بينه وبين التسرّي، ومعناه ظاهر. انتهى.

وجزم به أبو العباس القرطبيّ، وهو من المالكيّة، بل زاد فحكى الاتفاق عليه، فإنه قال: إنا نقول بموجب هذا الحديث في حقّ الشابّ المستطيع الذي يخاف الضرر على نفسه ودينه من العزبة، بحيث لا يرتفع عنه إلا بالتزويج، وهذا لا يختلف في وجوب التزويج عليه. انتهى.

ونقله الاتفاق على ذلك مردود، لكن يُقلَّد في نقل مذهبه في ذلك، وبه يحصل الردّ على النوويّ في كلامه المتقدّم، ولم يقيّد ابن حزم ذلك بخوف الْعَنَتِ، وعبارته في "المحلّى": وفرضٌ على كلّ قادر على الوطء إن وجد ما يتزوّج به، أو يتسرّى، أن يفعل أحدهما، فإن عجز عن ذلك، فليُكثر من الصوم، ثم قال: وهو قول جماعة من السلف.

وقال الشيخ تقيّ الدين في "شرح العمدة": قسم الفقهاء النكاح إلى الأحكام الخمسة، أعني الوجوب، والندب، والتحريم، والكراهة، والإباحةَ، وجعل الوجوب فيما إذا خاف العنت، وقَدَر على النكاح، إلا أنه لا يتعيّن واجبًا، بل إما هو، وإما التسرّي، وان تعذّر التسرّي، تعيّن النكاح حينئذ