للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للوجوب، لا لأصل الشريعة. انتهى، وكان هذا التقسيم لبعض المالكيّة، وقد حكاه أبو العبّاس القرطبيّ عن بعض علمائهم، وقال: إنه واضحٌ، وقال القاضي أبو سعد الهرويّ من الشافعيّة: ذهب بعض أصحابنا بالعراق إلى أن النكاح فرض كفاية حتى لو امتنع منه أهل قطر، أُجبروا عليه. انتهى.

وقال في "الفتح": وقد قسم العلماء الرجل في التزويج إلى أقسام:

[الأول]: التائق إليه القادر على مؤنه، الخائف على نفسه، فهذا يُندب له النكاح عند الجميع، وزاد الحنابلة في رواية أنه يجب، وبذلك قال أبو عوانة الإسفرايينيّ من الشافعيّة، وصرّح به في "صحيحه"، ونقله المصيصيّ في "شرح مختصر الجوينيّ" وجهًا، وهو قول داود، وأتباعه، ورَدّ عليهم عياضٌ، ومن تبعه بوجهين:

[أحدهما]: أن الآية التي احتجّوا بها خيّرت بين النكاح والتسرّي - يعني قوله تعالى: {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣] قالوا: والتسرّي ليس واجبًا اتفاقًا، فيكون التزويج غير واجب؛ إذ لا يقع التخيير بين واجب ومندوب.

وهذا الردّ متعقّبٌ، فإن الذين قالوا بوجوبه قيّدوه بما إذا لم يندفع التوقان بالتسرّي، فإذا لم يندفع تعيّن التزويج، وقد صرّح بذلك ابن حزم، فقال: وفرض على كلّ قادر على الوطء إن وجد ما يتزوّج به، أو يتسرّى أن يفعل أحدهما، فإن عجز عن ذلك فليُكثر من الصوم، وهو قول جماعة من السلف.

الوجه الثاني: أن الواجب عندهم العقد لا الوطء، والعقد بمجرّده لا يدفع مشقّة التوقان، قال: فما ذهبوا إليه لم يتناوله الحديث، وما تناوله الحديث لم يذهبوا إليه، كذا قال، وقد صرّح أكثر المخالفين بوجوب الوطء، فاندفع الإيراد.

وقال ابن بطال: احتجّ من لم يوجبه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ومن لم يستطع فعليه بالصوم"، قال: فلما كان الصوم الذي هو بدله ليس بواجب فمبدله مثله.

وتعقّب بأن الأمر بالصوم مرتّبٌ على عدم الاستطاعة، ولا استحالة أن يقول القائل أوجبت عليك كذا، فإن لم تستطع فأَندُبُك إلى كذا، والمشهور عن أحمد أنه لا يجب للقادر التائق إلا إذا خشي العَنَتَ، وعلى هذه الرواية اقتصر ابن هُبيرة.