للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والخصاء". فقال في "الفتح": وإنما قال: "ما يكره من التبتل والخصاء" للإشارة إلى أن الذي يكره من التبتّل هو الذي يُفضي إلى التنطّع، وتحريم ما أحلّ الله، وليس التبتّل من أصله مكروهًا، وعطف "الخصاء" عليه؛ لأن بعضه يجوز في الحيوان المأكول. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: ردُّ التَبتل: عبارة عن أنَّه لم يأذن له فيه، ولم يُجِزْهُ له، كما قال: "لا رهبانية في الإسلام أي: لا تَبَتُّل. انتهى (٢).

(وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا) الاختصاء من خَصَيت الفحل: إذا سَلَلت خِصْيته؛ أي: أخرجتها، واختصيتُ: إذا فعلتَ ذلك بنفسك.

قال الطيبيّ: كان الظاهر أن يقول: ولو أذن له لتبتّلنا، لكنه عدل عن هذا الظاهر إلى قوله: "لاختصينا" لإرادة المبالغة؛ أي: لبالغنا في التبتّل حتى يفضي بنا الأمر إلى الاختصاء، ولم يُرد به حقيقة الاختصاء؛ لأنه حرام.

وقيل: بل على ظاهره، وكان ذلك قبل النهي عن الاختصاء، ويؤيّده توارد استئذان جماعة من الصحابة النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في ذلك؛ كأبي هريرة، وابن مسعود، وغيرهما، وإنما كان التعبير بالخصاء أبلغ من التعبير بالتبتّل؛ لأن وجود الآلة يقتضي استمرار وجود الشهوة، ووجود الشهوة ينافي المراد من التبتّل، فيتعيّن الخصاء طريقًا إلى تحصيل المطلوب، وغايته أن فيه ألمًا عظيمًا في العاجل، يُغتفر في جنب ما يندفع به في الآجل، فهو كقطع الإصبع إذا وقعت في اليد الآكلة؛ صيانة لبقيّة اليد، وليس الهلاك بالخصاء محققًا، بل هو نادر، ويشهد له كثرة وجوده في البهائم مع بقائها، وعلى هذا فلعلّ الراوي عبّر بالخصاء عن الْجَبّ؛ لأنه هو الذي يُحصّل المقصود.

والحكمة في منعهم من الاختصاء؛ إرادة تكثير النسل؛ ليستمرّ جهاد الكفّار، وإلا فلو أذن في ذلك لأوشك تواردهم عليه، فينقطع النسل، فيقلّ المسلمون بانقطاعه، ويكثر الكفّار، فهو خلاف المقصود من البعثة المحمدية. انتهى.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "ولو أجاز له ذلك لاختصينا" قد بيَّنَّا: أن


(١) "الفتح" ١١/ ٣٣٦ - ٣٣٧.
(٢) "المفهم" ٤/ ٨٨.