للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الخصاء هو شَقُّ الخصيتين وانتزاعهما، وقد يقال: من أين يلزم من جواز التبتل عن النساء جواز الاختصاء؟ وهو قطع عضوين شريفين بهما قوام النسل، وفي قطعهما ألم عظيم لا يجوز لأحد أن يُدْخِلَهُ على نفسه، وضررٌ عظيم ربما يفضي بصاحبه إلى الهلاك، وهو محرمٌ بالاتفاق.

والجواب أن ذلك لازم من حيث أن مطلق التبتل يتضمنه، وكأنَّ قائل ذلك وقع له: أنَّ التبتل الحقيقي الذي تؤمن معه شهوة النساء هو الخصاء، فكأنّه أخذ بأكثر مما يدل عليه الاسم، وقولكم: هو ألم عظيم مُسَلَّم، لكنه مُغتفرٌ في جنب صيانة الدّين، فقد يُغتفر الألم العظيم في جنب ما هو أعظم منه، كقطع اليد للآكلة، وكالكيِّ، والبَطِّ، وغير ذلك. وقولكم: هو مُفْض إلى الهلاك غالبًا، غير مُسلَّم، بل نقول: وقوعُ الهلاك منه نادرٌ، فلا يُلْتَفتُ إليه، وخصاء البهائم يشهد بذلك، وما ذكرناه إنما هو تقدير ما وقع لسعدٍ، ولا يُظَنُّ: أن ذلك يجوز لأحدٍ اليوم، بل هو محرّم بالإجماع، وكلُّ ما ذكرناه مبنيٌّ على الأخذ بظاهر: "لاختصينا"، ويَحْتَمِل أن يريد به سعدٌ: لمنعنا أنفسنا من النساء، منع المختصي، والظاهر هو الأول، والله أعلم.

قال: وحديث أنس وسهلٍ يدلان على أن التزويج أفضل من التفرغ للعبادة، وهو أحد القولين المتقدمين، ويمكن أن يقال: كان ذلك في أول الإسلام، لِما كان النساء عليه من المعونة على الدِّين والدنيا، وقلّة الكلف، والتعاون على البر والتقوى، والحنوّ، والشفقة على الأزواج، وأمَّا في هذه الأزمان فنعوذ بالله من الشيطان والنسوان، فوالله الذي لا إله إلا هو لقد حلَّت العزلة والعزبة، بل وتعيّن الفِرار من فتنتهنَّ، والرحلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله القرطبيّ - رحمه الله -، واستعاذ منه حسبما شاهده في بلده، وليس ذلك لازمًا لكلّ بلد، وكلّ وقت، فالأمة الإسلاميّة فيها خير كثير، وفيها نساء مؤمنات صالحات، كما أنه لا يستنكر وجود المنافقات في العهد الأول، فلا يزال الخير موجودًا، وقد قال الله - سبحانه وتعالى -:


(١) "المفهم" ٤/ ٨٨ - ٩٠.