رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي وحده، وليس معه إنسان، قال: فظننت أنه يَكْرَه أن يمشي معه أحد، قال: فجعلت أمشي في ظلّ القمر، فالتفت فرآني، فقال:"من هذا؟ " قلت: أبو ذرّ - جعلني الله فداءك - قال:"يا أبا ذرّ تعالَ"، قإل: فمشيت معه ساعةً، فقال:"إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة، إلا من أعطاه الله خيرًا، فنَفَحَ فيه يمينَهُ وشمالَهُ، وبين يديه، ووراءه، وعَمِلَ فيه خيرًا"، قال: فمشيت معه ساعةً، فقال لي:"اجلس ها هنا"، قال: فأجلسني في قاعٍ حوله حجارةٌ، فقال لي:"اجلس ها هنا حتى أرجع إليك"، قال: فانطلق في الحرَّة حتى لا أراه، فَلَبِثَ عني، فأطال اللُّبْث، ثم إني سمعته، وهو مُقبل، وهو يقول:"وإن سَرَق، وإن زنى"، قال: فلما جاء لم أصبر حتى قلت: يا نبي الله - جعلني الله فداءك - مَن تُكَلّم في جانب الحرّة؟ ما سمعت أحدًا يَرْجِعُ إليك شيئًا، قال:"ذلك جبريل عليه السلام عَرَضَ لي في جانب الحرة، قال: بَشِّر أمتك، أنه من مات لا يُشرك بالله شيئًا دخل الجنة، قلت: يا جبريل، وإن سَرَق، وإن زنى؟ قال: نعم، قال: قلت: وإن سَرَق وإن زنى؟ قال: نعم، وإن شَرِب الخمر". انتهى.
(وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ؟) قال الكرمانيّ رحمه الله تعالى: حرف الاستفهام فيه مقدّر، وتقديره، أيدخل الجنّة وإن زنى وإن سرق؟، والشرط حال.
[فإن قلت]: ليس في الجواب استفهام، فيلزم منه أن من لم يسرق، ولم يَزن لم يدخل الجنّة؛ إذ انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط.
[قلت]: هو من باب "نعم العبد صُهيب، لو لم يَخَفِ الله لم يَعْصِه"، والحكم في المسكوت عنه ثابتٌ بالطريق الأولى. انتهى (١).
(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ") قال الزين ابن الْمُنِّير رحمه الله تعالى: حديث أبي ذرّ - رضي الله عنه - من أحاديث الرجاء التي أفضى الاتّكال عليها ببعض الْجَهَلَة إلى الإقدام على الموبقات، وليس هو على ظاهره، فإن القواعد استقرّت على أن حقوق الآدميين لا تَسقُط بمجرد الموت على الإيمان، ولكن لا يَلزم من عدم سقوطها أن لا يتكفل الله بها عمن يريد أن يُدخله الجنة، ومن ثَمَّ رَدّ - صلى الله عليه وسلم - على أبي ذر - رضي الله عنه - استبعاده.