للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الباب تدلّ على أن نكاح المتعة، إنما أُبيح في السفر لحال الضرورة، في مدة قصيرة، كما قال ابن أبي عمرة: إنها كانت رخصة في أول الإسلام، لمن اضطر إليها؛ كالميتة، والدّم، ولحم الخنزير (١)، وسيأتي بيان اختلاف الروايات في ذلك في المسألة التالية - إن شاء الله تعالى - والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في بيان اختلاف الروايات في نكاح المتعة، وأقوال أهل العلم فيها:

قال النوويّ - رحمه الله -: (اعلم): أن القاضي عياضًا - رحمه الله - بسط شرح هذا الباب بسطًا بليغًا، وأتى فيه بأشياء نفيسة، وأشياء يُخالَف فيها، فالوجه أن ننقل ما ذكره مختصرًا، ثم نذكر ما يُنكَر عليه، ويُخالَف فيه، وننبه على المختار، قال المازريّ: ثبت أن نكاح المتعة كان جائزًا في أول الإسلام، ثم ثبت بالأحاديث الصحيحة المذكورة هنا أنه نُسِخ، وانعقد الإجماع على تحريمه، ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة، وتعلقوا بالأحاديث الواردة في ذلك، وقد ذكرنا أنها منسوخة، فلا دلالة لهم فيها، وتعلقوا بقوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}، وفي قراءة ابن مسعود: "فما استمتعتم به منهن إلى أجل"، وقراءة ابن مسعود هذه شاذّةٌ، لا يحتج بها قرآنًا، ولا خبرًا، ولا يلزم العمل بها، قال: وقال زفر: من نكح نكاح متعة تأبد نكاحه، وكأنه جعل ذكر التأجيل من باب الشروط الفاسدة في النكاح، فإنها تُلْغَى، ويصح النكاح.

قال المازريّ - رحمه الله -: واختلفت الرواية في "صحيح مسلم" في النهي عن المتعة، ففيه أنه - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عنها يوم خيبر، وفيه أنه نَهَى عنها يوم فتح مكة، فإن تعلق بهذا من أجاز نكاح المتعة، وزعم أن الأحاديث تعارضت، وأن هذا الاختلاف قادح فيها، قلنا: هذا الزعم خطأ، وليس هذا تناقضًا؛ لأنه يصح أن يُنْهَى عنه في زمن، ثم ينهى عنه في زمن آخر؛ توكيدًا، أو ليشتهر النهي، ويسمعه من لم يكن سمعه أوّلًا، فسمع بعض الرواة النهي في زمن، وسمعه


(١) "المفهم" ٤/ ٩٢.