غير رواية، ويكون تجديده - صلى الله عليه وسلم - النهي عنها يومئذ لاجتماع الناس، وليبلغ الشاهد الغائب، ولتمام الدين، وتقرُّر الشريعة، كما قَرّر غير شيء، وبَيَّنَ الحلال والحرام يومئذ، وبَتَّ تحريم المتعة حينئذ؛ لقوله:"إلى يوم القيامة".
قال القاضي: ويَحْتَمِل ما جاء من تحريم المتعة يوم خيبر، وفي عمرة القضاء، ويوم الفتح، ويوم أوطاس؛ أنه جَدَّد النهي عنها في هذه المواطن؛ لأن حديث تحريمها يوم خيبر صحيح، لا مطعن فيه، بل هو ثابت من رواية الثقات الأثبات، لكن في رواية سفيان أنه نهى عن المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، فقال بعضهم: هذا الكلام فيه انفصال، ومعناه أنه حرّم المتعة، ولم يبيّن زمن تحريمها، ثم قال: ولحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، فيكون يوم خيبر لتحريم الحمر خاصّة، ولم يبيّن وقت تحريم المتعة؛ ليُجمع بين الروايات، قال هذا القائل: وهذا هو الأشبه أن تحريم المتعة كان بمكة، وأما لحوم الحمر فبخيبر بلا شكّ، قال القاضي: وهذا أحسن لو ساعده سائر الروايات عن غير سفيان، قال: والأولى ما قلناه: إنه قَرَّر التحريم، لكن يبقى بعد هذا ما جاء من ذكر إباحته في عمرة القضاء، ويوم الفتح، ويوم أوطاس، فَتُحْتَمل أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أباحها لهم للضرورة بعد التحريم، ثم حرّمها تحريمًا مؤبدًا، فيكون حرّمها يوم خيبر، وفي عمرة القضاء، ثم أباحها يوم الفتح للضرورة، ثم حرّمها يوم الفتح أيضًا تحريمًا مؤبدًا، وتسقط رواية إباحتها يوم حجة الوداع؛ لأنها مروية عن سبرة الجهنيّ، وإنما روى الثقات الأثبات عنه الإباحة يوم فتح مكة، والذي في حجة الوداع إنما هو التحريم، فيؤخذ من حديثه ما اتفق عليه جمهور الرواة، ووافقه عليه غيره من الصحابة - رضي الله عنهم - من النهي عنها يوم الفتح، ويكون تحريمها يوم حجة الوداع تأكيدًا وإشاعةً له، كما سبق، وأما قول الحسن: إنما كانت في عمرة القضاء، لا قبلها، ولا بعدها، فتردّه الأحاديث الثابتة في تحريمها يوم خيبر، وهي قبل عمرة القضاء، وما جاء من إباحتها يوم فتح مكة، ويوم أوطاس، مع أن الرواية بهذا إنما جاءت عن سبرة الجهنيّ، وهو راوي الروايات الأُخَر، وهي أصح، فيُترك ما خالف الصحيح.
وقد قال بعضهم: هذا مما تداوله التحريم، والإباحة، والنسخ مرتين، والله أعلم. انتهى كلام القاضي - رحمه الله -.