للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال النوويّ - رحمه الله -: والصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين، وكانت حلالًا قبل خيبر، ثم حُرِّمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم فتح مكة، وهو يوم أوطاس؛ لاتصالهما، ثم حُرِّمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريمًا مؤبدًا إلى يوم القيامة، واستمرَّ التحريم، ولا يجوز أن يقال: إن الإباحة مختصة بما قبل خيبر، والتحريم يوم خيبر للتأبيد، وأن الذي كان يوم الفتح مجرد توكيد التحريم من غير تقدم إباحة يوم الفتح، كما اختاره المازريّ والقاضي؛ لأن الروايات التي ذكرها مسلم في الإباحة يوم الفتح صريحة في ذلك، فلا يجوز إسقاطها، ولا مانع يمنع تكرير الإباحة، والله أعلم.

قال القاضي: واتَّفَقَ العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحًا إلى أجل، لا ميراث فيها، وفراقها يحصل بانقضاء الأجل من غير طلاق، ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء، إلا الروافض، وكان ابن عباس - رضي الله عنهما - يقول بإباحتها، ورُوي عنه أنه رجع عنه، قال: وأجمعوا على أنه متى وقع نكاح المتعة الآن حُكم ببطلانه، سواء كان قبل الدخول أو بعده، إلا ما سبق عن زفر، واختَلَف أصحاب مالك، هل يُحَدّ الواطئ فيه؟ ومذهبنا أنه لا يحدّ؛ لشبهة العقد، وشبهة الخلاف، ومأخذ الخلاف اختلاف الأصوليين في أن الإجماع بعد الخلاف، هل يرفع الخلاف، ويُصَيِّر المسألة مجمعًا عليها؟ والأصح عند أصحابنا أنه لا يرفعه، بل يدوم الخلاف، ولا تصير المسألة بعد ذلك مجمعًا عليها أبدًا، وبه قال القاضي أبو بكر الباقلانيّ.

قال القاضي: وأجمعوا على أن من نكح نكاحًا مطلقًا، ونيّته أن لا يمكث معها إلا مدة نواها، فنكاحه صحيح، حلال، وليس نكاحَ متعة، وإنما نكاح المتعة ما وقع بالشرط المذكور، ولكن قال مالك: ليس هذا من أخلاق الناس، وشذَّ الأوزاعيّ، فقال: هو نكاح متعة، ولا خير فيه، والله أعلم. انتهى (١).

وقال في "الفتح": قال السهيليّ: وقد اختُلِف في وقت تحريم نكاح المتعة، فأغرب ما رُوي في ذلك رواية من قال في غزوة تبوك، ثم رواية


(١) "شرح النوويّ" ٩/ ١٧٩ - ١٨٢.