٤ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ رحمه الله تعالى: الحديث دليل على شدّة تهمّم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بأمر أمته، وتعلّق قلبه بما يُنجيهم، وخوفه عليهم، ولذلك سكّن جبريل عليه السلام قلبه بهذه البشرى، وهذا نحو حديث عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - الآتي قريبًا الذي قال فيه: إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تلا قول إبراهيم عليه السلام:{فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[إبراهيم: ٣٦]، وقول عيسى عليه السلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨)} [المائدة: ١١٨]، فرفع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يديه، وبكى، وقال:"ربّ أمتي أمتي"، فنزل جبريل، فقال له مخبرًا عن الله تعالى: إن الله سيُرضيك في أمتك، ولا يسوؤك، رواه مسلم، وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - مُقتضى ما جَبَلَه الله تعالى عليه من الْخُلُق الكريم، وأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى (١).
٥ - (ومنها): أن أصحاب الكبائر لا يُخَلَّدون في النار، وأن الكبائر لا تَسلُب اسم الإيمان، وأن غير الموحدين لا يدخلون الجنة، والحكمة في الاقتصار على الزنا والسرقة الإشارة إلى جنس حقّ الله تعالى، وحقّ العباد، وكأن أبا ذرّ - رضي الله عنه - استحضر قوله - رضي الله عنهم -: "لا يزني الزاني حين يزني، وهو مؤمن"؛ لأن ظاهره مُعارض لظاهر هذا الخبر، لكن الجمع بينهما على قواعد أهل السنة بحمل هذا على الإيمان الكامل، وبحمل حديث الباب على عدم التخليد في النار.
٦ - (ومنها): أن بعض أهل العلم قال: إن هذا الحديث وأمثاله محمول على ما قبل نزول الفرائض، والأوامر والنواهي، قال الإمام البخاريّ رحمه الله تعالى بعد أن أخرج الحديث، ما نصّه: هذا عند الموت، أو قبله إذا تاب، ونَدِمَ، وقال:"لا إله إلا الله" غفر له. انتهى.
٧ - (ومنها): أن فيه المراجعة في العلم بما تقرَّر عند الطالب في مقابلة ما يَسمَعُه مما يخالف ذلك؛ لأنه تقرَّر عند أبي ذرّ - رضي الله عنه - من الآيات، والآثار الواردة في وعيد أهل الكبائر بالنار وبالعذاب، فلَمّا سَمِع أنَّ مَن مات لا يُشرك بالله تعالى دخل الجنة، استَفْهَم عن ذلك بقوله:"وإن زَنَى، وان سَرَقَ"،