للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واقتصر على هاتين الكبيرتين؛ لأنهما كالمثالين فيما يتعلق بحقّ الله تعالى وحق العباد، وأما قوله في الرواية الأخرى: "وإن شَرِب الخمر"، فللإشارة إلى فُحْش تلك الكبيرة؛ لأنها تؤدي إلى خَلَل العقل الذي شُرِّف به الإنسان على البهائم، وبوقوع الخلل فيه قد يزول التوقي الذي يَحْجُز عن ارتكاب بقية الكبائر.

٨ - (ومنها): أن فيه أن الطالب إذا أَلَحَّ في المراجعة، يُزْجَرُ بما من يليق به؛ أخذًا من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإن رَغِمَ أنفُ أبي ذرّ".

قال في "الفتح" يريد شرح قوله: "ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة":

وحاصل ما أشار إليه أن الحديث محمول على مَن وَحَّد ربه، ومات على ذلك تائبًا من الذنوب التي أشير إليها في الحديث، فإنه موعود بهذا الحديث بدخول الجنة ابتداءً، وهذا في حقوق الله باتفاق أهل السنة، وأما حقوق العباد فيشترط ردُّها عند الأكثر، وقيل: بل هو كالأول، ويُثيب الله صاحبَ الحق بما شاء، وأما مَن تلبّس بالذنوب المذكورة، ومات من غير توبة، فظاهر الحديث أنه أيضًا داخل في ذلك، لكن مذهب أهل السنة أنه في مشيئة الله تعالى، ويدل عليه حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - الماضي، فإن فيه: "ومن أتى شيئًا من ذلك، فلم يعاقَب به، فأمره إلى الله تعالى، إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه"، وهذا الْمُفَسَّر مقدَّم على المبهم، وكلٌّ منهما يَرُدُّ على المبتدعة من الخوارج، ومن المعتزلة الذين يَدَّعون وجوب خلود من مات من مرتكبي الكبائر من غير توبة في النار - أعاذنا الله من ذلك بمنّه وكرمه -.

ونقل ابن التين عن الداوديّ أن كلام البخاري خلاف ظاهر الحديث، فإنه لو كانت التوبة مشترطة، لم يقل: "وإن زَنَى، وإن سرق"، قال: وإنما المراد أنه يدخل الجنة إما ابتداءً، وإما بعد ذلك، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

وقال في موضع آخر من "الفتح": وقد حمله البخاريّ كما مضى في "اللباس" على من تاب عند الموت، وحمله غيره على أن المراد بدخول الجنة أعمّ من أن يكون ابتداءً، أو بعد المجازاة على المعصية، والأول هو وَفْقَ ما


(١) "الفتح" ١٠/ ٢٩٥ "كتاب اللباس" رقم الحديث (٥٨٢٦ - ٥٨٢٨).