للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَهِمه أبو ذَرّ - رضي الله عنه -، والثاني أولى للجمع بين الأدلة، ففي الحديث حجةٌ لأهل السنة، ورَدٌّ على مَن زَعَم من الخوارج والمعتزلة أن صاحب الكبيرة إذا مات من غير توبة يُخَلَّد في النار، لكن في الاستدلال به لذلك نظر؛ لِمَا مَرّ من سياق كعب بن ذُهْل عن أبي الدرداء: أنّ ذلك في حقّ مَنْ عَمِل سوءًا، أو ظلم نفسه، ثم استغفر، وسنده جيد عند الطبرانيّ.

وحمله بعضهم على ظاهره، وخَصَّ به هذه الأمة؛ لقوله فيه: "بَشِّر أمتك"، و"أن من مات من أمتي".

وتعقب بالأخبار الصحيحة الواردة في أن بعض عُصَاة هذه الأمة يُعَذَّبون، ففي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "المفلس من أمتي … " الحديث، وفيه تَعَقُّب على من تأوّل في الأحاديث الواردة في أن "مَن شَهِد أن لا إله إلا الله دخل الجنة"، وفي بعضها: "حُرّم على النار" أن ذلك كان قبل نزول الفرائض، والأمر والنهي، وهو مرويّ عن سعيد بن المسيب، والزهريّ.

ووجه التعقب ذكر الزنا والسرقة فيه، فذُكِر على خلاف هذا التأويل.

وحَمَله الحسن البصريّ على من قال الكلمة، وأَدَّى حقَّها بأداء ما وَجَب، واجتناب ما نُهِي، ورجحه الطيبيّ إلا أن هذا الحديث يَخدِشُ فيه، وأشكل الأحاديث وأصعبها قوله: "لا يَلْقَى الله بهما غير شاكّ فيهما، إلا دخل الجنة"، وفي آخره: "وإن زَنَى، وإن سَرَقَ".

وقيل: أشكلها حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند مسلم بلفظ: "ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، إلا حَرَّمه الله على النار"؛ لأنه أَتَى فيه بأداة الحصر، و"مِن" الاستغراقية، وصرح بتحريم النار، بخلاف قوله: "دَخَل الجنّة"، فإنه لا ينفي دخول النار أوّلًا.

قال الطيبيّ: لكن الأول يترجح بقوله: "وإن زَنَى، وإن سَرَق"؛ لأنه شَرْطٌ لمجرد التأكيد، ولا سيما وقد كَرَّره ثلاثًا مبالغةً، وخَتَم بقوله: "وإن رَغِمَ أنفُ أبي ذرّ"؛ تتميمًا للمبالغة، والحديث الآخر مُطْلَقٌ يَقبل التقييد، فلا يقاوم قوله: "وإن زنى، وإن سَرَق".

وقال النوويّ بعد أن ذكر المتون في ذلك، والاختلاف في هذا الحكم: مذهب أهل السنة بأجمعهم أن أهل الذنوب في المشيئة، وأن من مات موقنًا