معين، ولم ير البخاريّ إخراج حديثه في "صحيحه" مع شدة الحاجة إليه، وكونه أصلًا من أصول الإسلام، ولو صحّ عنده لم يصبر عن إخراجه، والاحتجاج به.
قالوا: ولو صح حديث سبرة لم يَخْفَ على ابن مسعود، حتى يروي أنهم فعلوها، ويحتج بالآية، وأيضًا لو صح لم يقل عمر: إنها كانت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنا أنهى عنها، وأعاقب عليها، بل كان يقول: إنه - صلى الله عليه وسلم - حرّمها، ونَهَى عنها.
قالوا: ولو صحّ لم تُفْعَل على عهد الصديق، وهو عهد خلافة النبوة حقًّا.
قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى ضعف ما تمسّكت به هذه الطائفة من الحُجج.
فأما قولهم: من رواية عبد الملك إلخ، ففيه أنه لم ينفرد به، فقد رواه عن الربيع جماعة نحو خمسة، كما ستراهم عند المصنّف في هذا الباب.
وأما قولهم: لو صح لأخرجه البخاريّ، فهذا من أوهى الحجج، فكم من أحاديث صحيحة عند البخاريّ لم يُخرجها في "صحيحه"، كما صحّ عنه ذلك.
وكذا بقيّة الحجج لا يخفى ضعفها على من تأملها بالإنصاف.
والحاصل أن حديث سبرة - رضي الله عنه - صحيح، وسيأتي تمام البحث فيه قريبًا.
قال: والطائفة الثانية: رأت صحة حديث سبرة، ولو لم يصحّ، فقد صحّ حديث عليّ - رضي الله عنه - "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرّم متعة النساء"، فوجب حمل حديث جابر على أن الذي أخبر عنها بفعلها لم يبلغه التحريم، ولم يكن قد اشتَهَر حتى كان زمن عمر - رضي الله عنه -، فلما وقع فيها النزاع ظهر تحريمها، واشتَهَر، وبهذا تأتلف الأحاديث الواردة فيها، وبالله التوفيق. انتهى كلام ابن القيّم - رحمه الله - (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.