قال الحافظ: وهذا اللفظ الذي ذكره لم أره من رواية ابن عيينة، فقد أخرجه أحمد، وابن أبي عمر، والحميديّ، وإسحاق في مسانيدهم عن ابن عيينة باللفظ الذي أخرجه البخاريّ من طريقه، لكن منهم من زاد لفظ "نكاح"، كما بيّنته، وكذا أخرجه الإسماعيليّ من طريق عثمان بن أبي شيبة، وإبراهيم بن موسى، والعباس بن الوليد، وأخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله بن نُمير، وزُهير بن حرب جميعًا عن ابن عيينة بمثل لفظ مالك، وكذا أخرجه سعيد بن منصور، عن ابن عيينة، لكن قال:"زمن" بدل "يوم"، قال السهيليّ: ويتّصل بهذا الحديث تنبيه على إشكال؛ لأن فيه النهي عن نكاح المتعة يوم خيبر، وهذا شيء لا يعرفه أحدٌ من أهل السير، ورواةِ الأثر، قال: فالذي يظهر أنه وقع تقديم وتأخير في لفظ الزهريّ.
وهذا الذي قاله سبقه إليه غيره في النقل عن ابن عيينة، فذكر ابن عبد البرّ من طريق قاسم بن أصبغ أن الحميديّ ذكر عن ابن عيينة أن النهي زمن خيبر عن لحوم الحمر الأهليّة، وأما المتعة فكان في غير يوم خيبر، قال: ثم راجعت "مسند الحميديّ" من طريق قاسم بن أصبغ، عن أبي إسماعيل السلمي عنه، فقال بعد سياق الحديث:"قال ابن عُيينة: يعني أنه نهى عن لحوم الحمر الأهليّة زمن خيبر، ولا يعني نكاح المتعة"، قال ابن عبد البرّ: وعلى هذا أكثر الناس، وقال البيهقيّ: يُشبه أن يكون كما قال لصحّة الحديث في أنه - صلى الله عليه وسلم - رخّص فيها بعد ذلك، ثمّ نهى عنها، فلا يتمّ احتجاج عليّ إلا إذا وقع النهي أخيرًا؛ لتقوم الحجة به على ابن عبّاس - رضي الله عنهما -.
وقال أبو عوانة في "صحيحه": سمعت أهل العلم يقولون: معنى حديث عليّ - رضي الله عنه - أنه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر، وأما المتعة، فسكت عنها، وإنما نهى عنها يوم الفتح. انتهى.
والحامل لهؤلاء على هذا ما ثبت من الرخصة فيها بعد زمن خيبر، كما أشار إليه البيهقيّ، لكن يمكن الانفصال عن ذلك بأن عليًّا - رضي الله عنه - لم تبلغه الرخصة فيها يوم الفتح؛ لوقوع النهي عنها عن قربٍ، كما تقدّم بيانه، ويؤيّد ظاهرَ حديث عليّ - رضي الله عنه - ما أخرجه أبو عوانة، وصححه من طريق سالم بن عبد الله: "أن رجلًا سأل ابن عمر عن المتعة؟ فقال: حرام، فقال: إن فلانًا