للمذاهب أن الأئمة قد يخفى عليهم بعض النصوص، فيُفتون بخلافه، فيكون ذلك مذهبًا لهم، وهم في ذلك معذورون، فإذا تبيّن الحقّ لمقلّديهم فعليهم أن يتّبعوا النصوص، ويعتذروا عن أئمتهم، ولا يتجمّدوا، فيقولوا: إمامنا أعلم منا، فلعله كان عنده دليلٌ أقوى من هذا، فإن هذا قولٌ بالظنون الكاذبة، فليُتنبّه، فإنه من مزالّ الأقدام، والله تعالى المستعان.
٦ - (ومنها): بيان أن العالم إذا أخطأ النصّ، لا يُضَلَّلُ، ولا يُهْجَر، وإنما يُبيَّن له الحقّ؛ لأنه ما يخالف النصّ إلا باجتهاد، والخطأ في الاجتهاد مغفور، بل صاحبه مأجور، لِما أخرجه الشيخان، عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ يقول:"إذا حكم الحاكم، فاجتهد، ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد، ثم أخطأ فله أجر"، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): قال في "الفتح": قوله: "يوم خيبر" الظاهر أنه ظرفٌ للأمرين: للنهي عن المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية، وحكى البيهقيّ عن الحميديّ أن سفيان بن عيينة كان يقول: قوله: "يوم خيبر" يتعلّق بالحمر الأهليّة، لا بالمتعة، قال البيهقيّ: وما قاله مُحْتَمِلٌ - يعني في روايته هذه - وأما غيره فصرّح أن الظرف يتعلّق بالمتعة، وفي رواية للبخاريّ من طريق مالك بلفظ:"نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر عن متعة النساء، وعن لحوم الحمر الأهلية"، وهكذا أخرجه مسلم من رواية ابن عيينة أيضًا، وفي رواية عبيد الله بن عمر، عن الزهريّ عند البخاريّ في "ترك الحيل": "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها يوم خيبر"، وكذا أخرجه مسلم، وزاد من طريقه:"فقال: مَهْلًا يا ابن عباس"، ولأحمد من طريق معمر بسنده أنه "بلغه أن ابن عباس رخّص في متعة النساء، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الأهليّة"، وأخرجه مسلم من رواية يونس بن يزيد، عن الزهريّ، مثل رواية مالك، والدارقطنيّ من طريق ابن وهب، عن مالك، ويونس، وأسامة بن زيد ثلاثتهم، عن الزهريّ كذلك.
وذكر السهيليّ أنّ ابن عيينة رواه عن الزهريّ بلفظ:"نهى عن أكل الحمر الأهليّة عام خيبر، وعن المتعة بعد ذلك، أو في غير ذلك اليوم".