للتحريم، وأن النكاح لا ينعقد هو الحقّ الذي لا محيد عنه، ولكن سيأتي له أنه قال في الخِطْبة أنه نهي تنزيه، وهذا تفريق فيه نظر؛ إذ لا دليل يفرّق بينهما، فمصدرهما واحد، فيجب التسوية بينهما، فتأمل.
وهذا الذي تقدم من تحريم نكاح المحرم، هو الذي عليه جماهير أهل العلم، كما سبق، فإنهم رجحوا حديث ميمونة على حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -؛ لِمَا ورد عن ميمونة - رضي الله عنها - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تزوجها، وهو حلال، فيقدَّم حديثها؛ لكونها صاحبة الواقعة، فهي أعلم من غيرها، ووافقها على ذلك أبو رافع، وقال: وكنت السفير بينهما، ولكون حديثها أوفق لحديث عثمان - رضي الله عنه - القوليّ المذكور في الباب، قالوا: ولو سلِّم أن حديث ابن عباس يعارض حديث ميمونة - رضي الله عنهم - يسقط الحديثان للتعارض، ويبقى حديث عثمان القوليّ سالمًا عن المعارضة.
(وَلَا يَخْطُبُ) بفتح أوله، من باب قتل، يقال: خَطَب المرأة إلى القوم: إذا طلب أن يتزوّج منهم، واختطبها، والاسم الخِطْبة - بالكسر -، فهو خاطب، وخَطّاب مبالغة. وأما الخُطبة بالضمّ، فهي الموعظة، يقال: خَطَب القومَ، وعليهم، من باب قَتَل أيضًا، خُطبة بالضم، وهي فُعلة بمعنى مفعولة، نحو نُسخة بمعنى منسوخة، وغُرفة من ماء بمعنى مغروفة، وجمعها خُطَب، مثل غُرْفة وغُرَف، فهو خطيب، والجمع خُطباء، وهو خطيب القوم: إذا كان هو المتكلم عنهم، قاله الفيوميّ (١).
وقال النووي: النهي هنا نهي تنزيه، ليس بحرام.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله النووي غريب؛ لأنه تقدّم له أن النهي في النكاح نهي تحريم، فيبطل به النكاح، فلماذا فرَّق بين النكاح والخِطْبة؟، وقد وردا في نصّ واحد، وما هو الدليل الذي يدلّ على التفريق بينهما؟.
قال: وكذلك يكره للمُحرم أن يكون شاهدًا في نكاح عقده المُحِلُّون، وقال بعض أصحابنا: لا ينعقد بشهادته؛ لأن الشاهد ركن في عقد النكاح، كالوليّ، والصحيح الذي عليه الجمهور انعقاده. انتهى، والله تعالى أعلم