للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال أبو عمر: قد ذكرنا حجة الحجازيين القائلين بأن نكاح المحرم لا يجوز؛ لحديث عثمان - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه نَهَى عن نكاح المحرم، وأن عمر بن الخطّاب فرّق بين من نكح وبين امرأته، والفُرقة لا تكون في هذا إلا عن بصيرة مستحكمة، وذكرنا جماعة الأئمة القائلين من أهل المدينة، وليس مع العراقيين في هذا حجة إلا حديث ابن عباس في قصّة، قد خالفه فيها غيره بما تقدّم ذكره (١).

قال: واختَلَف أهل السير في تزويج رسول الله، فذكر موسى بن عقبة، عن ابن شهاب أنه تزوّجها حلالًا، وقال أبو عبيدة معمر بن المثنّى: تزوّجها، وهو محرمٌ، والأول أصحّ - إن شاء الله - والحجة في ذلك حديث عثمان - رضي الله عنه -، والحمد لله. انتهى كلام ابن عبد البرّ - رحمه الله - ببعض اختصار (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي رجحه الحافظ أبو عمر - رحمه الله - من كون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تزوّج ميمونة - رضي الله عنها -، وهو حلالٌ هو الحقّ؛ لقوة دليله، كما سيأتي في الباب.

فقد تَبَيَّن مما سبق أنّ الراجح هو ما ذهب إليه الجمهور، وهو أن المحرم لا يَنكِح، ولا يُنكِح؛ لحديث عثمان - رضي الله عنه -، ولأن الأرجح في قصّة ميمونة أنه - صلى الله عليه وسلم - تزوجها، وهما حلالان؛ لأنها صاحبة القصة أخبرت بذلك، وتابعها على ذلك أبو رافع، وغيره، ويشهد لها حديث عثمان - رضي الله عنه -.

والحاصل أن الأرجح القول بتحريم نكاح المحرم، وكذا إنكاحه، وخِطْبته، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


= كما كان ابن عبّاس يقوله مرسلًا؛ إذ لم يشهد عمرو القصّة، كما لم يشهدها يزيد بن الأصمّ، إلا أن يزيد إنما رواه عن ميمونة، وهي صاحبة الأمر، وهي أعلم بأمرها من غيرها. انتهى.
قال الجامع: قوله: "إذ لم يشهد عمرو القصّة" هكذا نسخة: "المعرفة"، ولعله: "إذ لم يشهد القصّة"، ويكون الضمير لابن عبّاس، فتأمل، والله تعالى أعلم.
(١) وسيأتي للمصنّف في الباب.
(٢) "الاستذكار" ١١/ ٢٦٢ - ٢٦٥.