للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال في "الفتح": ووقع في رواية عبد العزيز بن رُفَيع (١): "قلت: يا جبريل، وإن سَرَقَ، وإن زنى؟ قال: نعم"، وكررها مرتين للأكثر، وثلاثًا للمستملي، وزاد في آخر الثالثة: "وإن شَرِب الخمر"، وكذا وقع التكرار ثلاثًا في رواية أبي الأسود، عن أبي ذرّ في "اللباس"، لكن بتقديم الزنا على السرقة (٢)، كما في رواية الأعمش، ولم يقل: "وإن شرب الخمر"، ولا وقعت في رواية الأعمش، وزاد أبو الأسود: "على رغم أنف أبي ذرّ"، قال: وكان أبو ذر إذا حدث بهذا الحديث يقول: "وإن رَغِمَ أنف أبي ذرّ". انتهى.

(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ") أي يدخلها، وإن تلبّس بالمعاصي الكبار (قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ؟، قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("وَإنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ" ثَلَاثًا) أي كان تكرير أبي ذرّ - رضي الله عنه - للسؤال، وتكرير النبيّ - صلى الله عليه وسلم - للجواب ثلاث مرّات، قال الطيبيّ رحمه الله تعالى: أما تكرير أبي ذرّ - رضي الله عنه -، فلاستعظامه شأن الدخول مع مباشرة الكبائر، وتعجّبه منه، وأما تكرير النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فللإنكار على استعظامه: أي أتبخل يا أبا ذرّ برحمة الله تعالى؟ فرحمة الله تعالى واسعة على خلقه، وإن كَرِهتَ ذلك، فقد قال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: ٥٣]، وإنما ذكر من الكبائر نوعين، ولم يقتصر على واحد؛ لأن الذنب إما حقّ الله تعالى، وهو الزنى، أو حقّ العباد، وهو أخذ مالهم بغير حقّ، وفي تكريره أيضًا معنى الاستيعاب والعموم، كقوله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: ٦٢]: أي دائمًا. انتهى (٣).

قال النوويّ رحمه الله تعالى: هذا الحديث فيه حجة لمذهب أهل السنة أن أصحاب الكبائر لا يُقطَع لهم بالنار، وأنهم إن دخلوها أُخرجوا منها، وخُتِم لهم بالخلود في الجنة، وقد تقدم هذا كله مبسوطًا، والله تعالى أعلم. انتهى (٤).

(ثُمَّ قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - (فِي) المرّة (الرَّابِعَةِ: "عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ") - بفتح


(١) يعني: عند البخاريّ، فقد رواه من طريقه، عن زيد بن وهب، عن أبي ذرّ - رضي الله عنه -.
(٢) أي وهي رواية مسلم هنا.
(٣) "الكاشف" ٢/ ٤٧٩.
(٤) "شرح النوويّ" ٢/ ٩٧.