وقال أبو الوليد الباجيّ: الظاهر أنه من جملة الحديث، وعليه يُحْمَل حتى يتبيّن أنه من قول الراوي، وهو نافع.
قال الحافظ: قد تبيّن ذلك، ولكن لا يلزم من كونه لم يرفعه أن لا يكون في نفس الأمر مرفوعًا، فقد ثبت ذلك من غير روايته، فعند مسلم من رواية أبي أسامة، وابن نُمير عن عبيد الله بن عمر أيضًا عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مثله سواء، قال: وزاد ابن نُمير: "والشغار أن يقول الرجل للرجل: زوّجني ابنتك، وأُزوّجك ابنتي، وزوّجني أختك، وأزوّجك أختي"، وهذا يَحْتَمِل أن يكون من كلام عبيد الله بن عمر، فيرجع إلى نافع، ويَحْتَمِل أن يكون تلقّاه عن أبي الزناد، ويؤيّد الاحتمال الثاني وروده في حديث أنس، وجابر، وغيرهما أيضًا، فأخرج عبد الرزاق، عن معمر، عن ثابت، وأبان، عن أنس مرفوعًا:"لا شغار في الإسلام، والشغار أن يزوّج الرجل الرجل أخته بأخته". وروى البيهقيّ من طريق نافع بن يزيد، عن ابن جُريج، عن أبي الزبير، عن جابر، مرفوعًا:"نُهي عن الشغار، والشغار أن يَنكح هذه بهذه بغير صداق، بُضْعُ هذه صداق هذه، وبُضع هذه صداق هذه"، وأخرج أبو الشيخ في "كتاب النكاح" من حديث أبي ريحانة: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عن المشاغرة، والمشاغرة أن يقول: زوّج هذا من هذه، وهذه من هذا بلا مهر".
قال القرطبيّ: تفسير الشغار صحيح موافق لما ذكره أهل اللغة، فإن كان هذا مرفوعًا فهو المقصود، وإن كان من قول الصحابيّ، فمقبولٌ أيضًا؛ لأنه أعلم بالمقال، وأقعد بالحال. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله القرطبيّ رحمه الله تعالى حسنٌ جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم، هل يُشتَرط في الشغار ما اقتضاه ظاهر الحديث من مراعاة الوصفين المذكورين، أم لا؟:
(اعلم): أنهم اختلفوا هل يُعتبر في الشغار الممنوع ظاهر الحديث في تفسيره؟ فإن فيه وصفين: أحدهما: تزويج كلّ من الوليين وليّته للآخر بشرط أن