[فإن قيل]: فقد حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالفرق بين البكر والثيّب، وقال:"لا تُنكح الأيّم حتى تستأمر، ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن"، وقال:"الأيّم أحقّ بنفسها من وليّها، والبكر يَستأذنها أبوها"، فجعل الأيّم أحقّ بنفسها من وليّها، فعُلم أن وليّ البكر أحقّ بها من نفسها، وإلا لم يكن لتخصيص الأيّم بذلك معنىً.
وأيضًا فإنه فرّق بينهما في صفة الإذن، فجعل إذن الثيّب النطق، وإذن البكر الصَّمت، وهذا كلّه يدلّ على عدم اعتبار رضاها، وأنها لا حقّ لها مع أبيها.
[فالجواب]: أنه ليس في ذلك ما يدلّ على جواز تزويجها بغير رضاها مع بلوغها، وعقلها، ورُشدها، وأن يزوّجها بأبغض الخلق إليها إذا كان كفؤًا، والأحاديث التي احتججتم بها صريحةٌ في إبطال هذا القول، وليس معكم أقوى من قوله:"الأيّم أحقّ بنفسها من وليّها". هذا إنما يدلّ بطريق المفهوم، ومنازعوكم يُنازعونكم في كونه حجّةً، ولو سُلّم أنه حجّةٌ، فلا يجوز تقديمه على المنطوق الصريح، وهذا أيضًا إنما يدلّ إذا قلت: إن للمفهوم عمومًا، والصواب أنه لا عموم له؛ إذ دلالته ترجع إلى أن التخصيص بالمذكور لا بدّ له من فائدةٍ، وهي نفي الحكم عما عداه، ومعلومٌ أن انقسام ما عداه إلى ثابت الحكم ومنفيّه فائدة، وأن إثبات حكم آخر للمسكوت فائدة، وإن لم يكن ضدّ حكم المنطوق، وأن تفصيله فائدة، كيف، وهذا مفهومٌ مخالفٌ للقياس الصريح، بل قياس الأولى، كما تقدّم، ويخالف النصوص المذكورة.
وتأمّل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "والبكر يستأذنها أبوها"، عقب قوله:"الأيّم أحقّ بنفسها من وليّها"، قطعًا لتوهّم هذا القول، وأن البكر تُزوّج بغير رضاها، ولا إذنها، فلا حقّ لها في نفسها البتّة، فوصل إحدى الجملتين بالأخرى، دفعًا لهذا التوهّم، ومن المعلوم أنه لا يلزم من كون الثيّب أحقّ بنفسها من وليّها أن لا يكون للبكر حقّ في نفسها البتّة.
وقد اختلف الفقهاء في مناط الإجبار على ستّة أقوال:
(أحدها): أنه يُجبر بالبكارة، وهو قول الشافعيّ، ومالك، وأحمد في رواية.