كان حكمه كذلك (فَقَالَ: أَسْلَمْت للهِ) أي دخلتُ في دين الإسلام، وتديّنتُ به، وفيه دليلٌ على أن كلَّ من صَدَرَ عنه أمرٌ يدلّ على الدخول في دين الإسلام من قول أو فعل حُكِم له لذلك بالإسلام، وأن ذلك ليس مقصورًا على النطق بكلمتي الشهادة، وقد حَكَم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بإسلام بني جَذِيمة الذين قتلهم خالد بن الوليد، وهم يقولون: صَبَأْنا صَبَأْنَا، ولم يُحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فلما بَلَغ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"اللهم إني أبرأ إليك مما صَنَعَ خالد"، رافعًا يديه إلى السماء، ثم وَدَاهم، رواه البخاريّ.
على أن قوله في هذه الرواية:"أسلمت لله" يَحْتَمِل أن يكون ذلك نقلًا بالمعنى، فيكون بعض الرواة عَبّر عن قوله: لا إله إلا الله بأسلمتُ، كما قد جاء مُفسَّرًا في رواية أخرى، قال فيها: فلَمّا أهويتُ لأقتله قال: لا إله إلا الله.
(أَفَأَقْتُلُهُ، يَا رَسُولَ الله، بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟) أي الكملة التي هي قوله: أسلمتُ لله (قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ("لَا تَقْتُلْهُ") أي لأنه معصوم الدم بسبب تلك الكلمة (قَالَ) المقداد - رضي الله عنه - (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّهُ قَدْ قَطَعَ يَدِي، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ) أي ما قاله من كلمة الإسلام (بَعْدَ أَنْ قَطَعَهَا) أي يده (أَفَأَقْتُلُهُ؟) أعاده تأكيدًا للسؤال (قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَقْتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ، فَإِنَّهُ بمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ) قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: يعني - والله أعلم -: أَنه بمنزلك في عصمة الدم؛ إذ قد نطق بما يوجب عصمته من كلمتي الشهادة. انتهى (١). وقال الكرمانيّ رحمه اللهُ تعالى: القتل ليس سببًا لكون كل منهما بمنزلة الآخر، لكن عند النحاة مؤول بالإخبار: أي هو سبب لإخباري لك بذلك، وعند البيانيين المراد لازمه، كقوله: يباح دمك إن عصيت. انتهى.
(وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ") قال النوويّ رحمه الله تعالى: اختُلِف في معناه، فأحسن ما قيل فيه، وأظهره ما قاله الإمام الشافعيُّ، وابن القصار المالكيّ، وغيرهما: إن معناه: فإنه معصوم الدم، مُحَرَّمٌ قتله بعد قوله: لا إله إلا الله، كما كنت أنت قبل أن تقتله، وإنك بعد قتله غير معصوم الدم، ولا مُحَرَّم القتل، كما كان هو قبل قوله: لا إله إلا الله، قال ابن