للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والشافعيّ، وأحمد، وجماهير العلماء، إلى استحباب النظر إلى من يريد تزويجها، وحكى القاضي عياض عن قوم كراهته، وهذا خطأ، مخالفٌ لصريح هذا الحديث، ومخالفٌ لإجماع الأمة على جواز النظر للحاجة عند البيع، والشراء، والشهادة، ونحوها.

قال: ثمّ إنه إنما يباح له النظر إلى وجهها، وكفّيها فقط؛ لأنهما ليسا بعورة، ولأنه يُستدلّ بالوجه على الجمال، أو ضدّه، وبالكفّين على خُصوبة البدن، أو عدمها، قال: هذا مذهبنا، ومذهب الأكثرين، وقال الأوزاعيّ: ينظر إلى مواضع اللحم، وقال داود: ينظر إلى جميع بدنها، وهذا خطأٌ ظاهرٌ، منابذ لأصول السنّة، والإجماع.

قال: ثم مذهبنا، ومذهب مالك، وأحمد، والجمهور أنه لا يُشترط في جواز النظر رضاها، بل له ذلك في غفلتها، ومن غير تقدّم إعلام، لكن قال مالك: أكره نظره في غفلتها، مخافة وقوع نظره على عورة، وعن مالك رواية ضعيفة أنه لا ينظر إليها إلا بإذنها، وهذا ضعيفٌ؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قد أذن في ذلك مطلقًا، ولم يشترط استئذانها؛ ولأنها تستحيي غالبًا من الإذن، ولأن في ذلك تغريرًا، فربما رآها، فلم تُعجبه، فيتركها، فتنكسر، وتتأذّى، ولهذا قال أصحابنا: يستحبّ أن يكون نظره إليها قبل الخِطْبة، حتى إن كرهها تركها من غير إيذاء، بخلاف ما إذا تركها بعد الخِطبة. انتهى كلام النوويّ - رحمه الله - (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الحقّ أن النظر جائز، مطلقًا، فتقييد النظر بالوجه والكفّين مخالفٌ لظاهر الحديث، وبهذا يقول داود، وابن حزم، وهو رواية عن أحمد أيضًا، قال العلامة ابن القيّم - رحمه الله - في "تهذيب السنن": وقال: داود: ينظر إلى سائر جسدها، وعن أحمد ثلاث روايات:

إحداهنّ: ينظر إلى وجهها ويديها.

والثانية: ينظر ما يظهر غالبًا، كالرقبة، والساقين، ونحوهما.

والثالثة: ينظر إليها كلها: عورة، وغيرها، فإنه نصّ عن أحمد على أنه يجوز أن ينظر إليها متجرّدة. انتهى (٢).


(١) "شرح النوويّ" ٩/ ٢١٠ - ٢١١.
(٢) "تهذيب السنن" ٣/ ٢٥ - ٢٦.