للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قتلته مستحلًا لقتله، فأنت مثله في الكفر، وقيل: المراد بالمثلية أنه مغفور له بشهادة التوحيد، وأنت مغفور لك بشهود بدر.

ونَقَل ابن التين أيضًا عن الداوديّ أنه أوّله على وجه آخر، فقال: يفسره حديث ابن عباس الذي في آخر الباب (١)، ومعناه: أنه يجوز أن يكون اللائذ بالشجرة القاطعُ لليد مؤمنًا يكتم إيمانه، مع قوم كُفّار، غَلَبوه على نفسه، فإن قتلته فأنت شاكّ في قتلك إياه أنى ينزله الله من العمد والخطأ، كما كان هو مشكوكًا في إيمانه؛ لجواز أن يكون يَكْتُم إيمانه.

ثم قال: فإن قيل: كيف قَطَع يد المؤمن، وهو ممن يكتم إيمانه؟.

فالجواب: أنه دَفَع عن نفسه من يريد قتله، فجاز له ذلك، كما جاز للمؤمن أن يدفع عن نفسه مَن يريد قتله، ولو أفضى إلى قتل من يريد قتله، فإن دمه يكون هَدَرًا، فلذلك لم يُقِد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من يد المقداد؛ لأنه قَطَعها مُتأوّلًا.

وتعقّبه الحافظ: فقال: وعليه مؤاخذات:

منها: الجمع بين القصتين بهذا التكلّف، مع ظهور اختلافهما، وإنما الذي ينطبق على حديث ابن عباس قصة أسامة الآتية بعد هذا، حيث حَمَلَ على رجل أراد قتله، فقال: إني مسلم، فقتله ظنًّا أنه قال ذلك مُتَعَوِّذًا من القتل، وكان الرجل في الأصل مُسلمًا، فالذي وقع للمقداد نحوُ ذلك، كما سأبيّنه، وأما قصة قطع اليد فإنما قالها مستفتيًا على تقدير أن لو وقعت، كما تَقَدَّم تقريره، وإنما تَضَمَّن الجواب النهي عن قتله؛ لكونه أظهر الإسلام، فحُقِن دمه، وصار ما وقع منه قبل الإسلام عَفْوًا.

ومنها: أن في جوابه عن الاستشكال نظرًا؛ لأنه كان يمكنه أن يَدفع بالقول، بأن يقول له عند إرادة المسلم قتله: إني مسلم، فيكُفّ عنه، وليس له أن يبادر لقطع يده مع القدرة على القول المذكور ونحوه. انتهى (٢).


(١) أراد ما أورده البخاريّ تعليقًا، فقال: وقال حبيب بن أبي عَمْرة، عن سعيد، عن ابن عباس، قال: قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - للمقداد: "إذا كان رجل مؤمن يخفي إيمانه، مع قوم كُفّار، فأظهر إيمانه فقتلته، فكذلك كنت أنت تُخفي إيمانك بمكة من قبل".
(٢) "الفتح" ١٢/ ١٩٧ - ١٩٨ رقم الحديث (٦٨٦٥).