وقد تبع الحافظُ صلاح الدين العلائيّ ابن الجوزيّ، فقال في ترجيح رواية التزويج: ولا سيّما وفيهم مالك، وحمّاد بن زيد. انتهى.
وقد تحرّر أنه اختُلف على حماد فيها، كما اختُلف على الثوريّ، فظهر أن رواية التمليك وقعت في إحدى الروايتين عن الثوريّ، وفي رواية عبد العزيز بن أبي حازم، ويعقوب بن عبد الرحمن، وحمّاد بن زيد، وفي رواية معمر:"ملكتكها"، وهي بمعناها، وانفرد أبو غسّان برواية:"أمكناكها"، وأَخْلِقْ بها أن تكون تصحيفًا من:"ملّكناكها"، فرواية التزويج، أو الإنكاح أرجح، وعلى تقدير تساوي الروايات يقف الاستدلال بها لكلّ من الفريقين.
وقد قال البغويّ في "شرح السنّة": لا حجّة في هذا الحديث لمن أجاز انعقاد النكاح بلفظ التمليك؛ لأن العقد كان واحدًا، فلم يكن اللفظ إلا واحدًا، واختلف الرواةُ في اللفظ الواقع، والذي يظهر أنه كان بلفظ التزويج على وفق قول الخاطب:"زوّجنيها"، إذ هو الغالب في أمر العقود، إذ قلّما يَختلف فيه لفظ المتعاقدين، ومن روى بلفظ غير لفظ التزويج لم يقصد مراعاة اللفظ الذي انعقد به العقد، وإنما أراد الخبر عن جريان العقد على تعليم القرآن، وقيل: إن بعضهم رواه بلفظ الإمكان، وقد اتفقوا على أن هذا العقد بهذا اللفظ لا يصحّ، كذا قال. وما ذُكر كافٍ في دفع احتجاج المخالف بانعقاد النكاح بالتمليك ونحوه.
وقال العلائيّ: من المعلوم أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يقل هذه الألفاظ كلّها (١) تلك الساعة، فلم يبق إلا أن يكون قال لفظة منها، وعبّر عنه بقيّة الرواة بالمعنى، فمن قال بأن النكاح ينعقد بلفظ التمليك، ثم احتجّ بمجيئه في هذا الحديث إذا عورض ببقية الألفاظ لم ينتهض احتجاجه، فإن جزم بأنه هو الذي تلفّظ به النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ومن قال غيره ذكره بالمعنى، قَلَبه عليه مخالفه، وادّعى ضدّ دعواه، فلم يبق إلا الترجيح بأمر خارجيّ، ولكن القلب إلى ترجيح رواية التزويج
(١) نازع في ذلك ابن حزم - رحمه الله -؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا، فيُحمل الحديث على هذا، والله تعالى أعلم.