قال شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - كما في "مجموع الفتاوى" -: عمدة من قال: لا يصحّ النكاح إلا بلفظ "الإنكاح"، و"التزويج" - وهم أصحاب الشافعيّ، وابن حامد، ومن وافقهم من أصحابنا، كأبي الخطّاب، والقاضي، وأصحابه، ومن بعده - إلا في لفظ "أعتقتك، وجعلت عتقك صداقك" أنهم قالوا: ما سوى هذين اللفظين كناية، والكناية لا تقتضي الحكم إلا بالنيّة، والنيّة في القلب لا تُعلم، فلا يصحّ عقد النكاح بالكناية؛ لأن صحّته مفتقرة إلى الشهادة عليه، والنيّة لا يُشهَد عليها، بخلاف ما يصحّ بالكناية، من طلاق، وعتق، وبيع، فإن الشهادة لا تُشترط في صحّة ذلك.
ومنهم: من يجعل ذلك تعبّدًا؛ لما فيه من ثبوت العبادات، وهذا قول من لا يصحّحه إلا بالعربيّة، من أصحابنا وغيرهم، وهذا ضعيف لوجوه:
[أحدها]: لا نسلّم أن ما سوى هذين كناية، بل ثَمَّ ألفاظ هي حقائق عرفيّة في العقد أبلغ من لفظ:"أنكحت"، فإن هذا اللفظ مشترك بين الوطء والعقد، ولفظ الإملاك خاصّ بالعقد، لا يُفهم إذا قال القائل: أملك فلانٌ على فلانة إلا العقد، كما في "الصحيحين": "أملكتكها على ما معك من القرآن"، سواء كانت الرواية باللفظ، أو المعنى.
[الثاني]: أنا لا نسلّم أن الكناية تفتقر إلى النيّة مطلقًا، بل إذا قُرن بها لفظ من ألفاظ الصريح، أو حكم من أحكام العقد كانت صريحةً، كما قالوا في الوقف: إنه ينعقد بالكناية، كتصدّقت، وحرَّمت، وأبّدت، إذا قُرن بها لفظ، أو حكم، فإذا قال: أملكتكها، فقال: قبلت هذا التزويج، أو أعطيتكها زوجةً، فقال: قبلت، أو أملكتكها على ما أمر الله به من إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، ونحو ذلك، فقد قُرِن بها من الألفاظ، والأحكام ما يجعله صريحًا.
[الثالث]: أن إضافة ذلك إلى الحرّة يبيّن المعنى، فإنه إذا قال في ابنته: ملّكتكها، أو أعطيتكها، أو زوّجتكها، ونحو ذلك، فالمحلّ يَنفي الإجمال، والاشتراك.