للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كما روى بقيّ بن مَخْلَد، من طريق غالب، عن الحسن، عن رجل من بني تميم، قال: كنّا نقول في الجاهليّة: بالرفاء والبنين، فلما جاء الإسلام علّمنا نبيّنا - صلى الله عليه وسلم -، قال: قولوا: "بارك الله لكم، وبارك فيكم، وبارك عليكم".

قال: ودلّ حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - على أن اللفظ كان مشهورًا عندهم غالبًا حتى سُمّي كلّ دعاء للمتزوّج ترفئة.

قال: ودلّ صنيع البخاريّ على أن الدعاء للمتزوّج بالبركة هو المشروع، ولا شكّ أنها لفظةٌ جامعةٌ، يدخل فيها كلّ مقصود من ولد وغيره، ويؤيّد ذلك ما تقدّم من حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمّا قال له: "تزوّجت بكرًا، أو ثَيِّبًا؟ ": قال: "بارك الله لك"، والأحاديث في ذلك معروفة. انتهى ما في "الفتح" باختصار (١).

[تنبيه]: اختُلِف في علة النهي عن قولهم: "بالرفاء والبنين"، فقيل: لأنه لا حمد فيه، ولا ثناء، ولا ذكر لله، وقيل: لِمَا فيه من الإشارة إلى بُغْض البنات؛ لتخصيص البنين بالذكر، وأما الرِّفَاء فمعناه الالتئام، من رَفَأْتُ الثوب، ورَفَوْته رَفْوًا، ورَفَاءً، وهو دعاء للزوج بالالتئام والائتلاف، فلا كراهة فيه، وقال ابن الْمُنَيِّر: الذي يظهر أنه - صلى الله عليه وسلم - كَرِه اللفظ؛ لِمَا فيه من موافقة الجاهلية؛ لأنهم كانوا يقولونه تفاؤلًا، لا دعاءً، فيظهر أنه لو قيل للمتزوج بصورة الدعاء لم يُكره، كان يقول: اللهم ألِّف بينهما، وارزقهما بنين صالحين مثلًا، أو ألَّف الله بينكما، ورزقكما ولدًا ذكرًا، ونحو ذلك.

وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة، من طريق عمر بن قيس: قال: شهدت شُريحًا، وأتاه رجل من أهل الشام، فقال: إني تزوجت امرأةً، فقال: بالرفاء والبنين. . . الحديث، وأخرجه عبد الرزاق، من طريق عديّ بن أرطاة، قال: حَدَّثت شريحًا أني تزوجت امرأةً، فقال: بالرفاء والبنين، فهو محمول على أن شريحًا لم يبلغه النهي عن ذلك، قاله في "الفتح" (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب.


(١) "الفتح" ١١/ ٥٠٥ - ٥٠٦.
(٢) "الفتح" ١١/ ٥٠٥ - ٥٠٦.